يحدث أن تقرأ نصاً أدبياً ما، رواية أو قصة أو قصيدة، وتشعر أنه جميل. ما من مأخذ فني يمكن أن يتبادر إلى ذهنك على ما قرأت، فإن كان سرداً وجدته سلساً ومحكماً، وإن كان شعراً فالوزن فيه صحيح، والصور فيه لافتة، لكن مع ذلك تشعر أن شيئاً ما ناقصاً فيه. ربما لا تستطيع للوهلة إدراك ما هو الشيء، أو حتى الأشياء، الناقصة، لكن بالمقارنات ستعرف الأمور.
قد يحدث أن تستمع إلى كاتب هذا النص في ندوةٍ ما أو على الشاشة، فتلاحظ إرباكاته وتعثراته في التعبير عن أفكاره، ليس لأن هذه الأفكار موجودة في دماغه وتنقصه لياقة الكلام الكافية لقولها، وإنما لأن الدماغ خالٍ منها، فتدرك أن الخلل يعود إلى أن هذا الأديب الجيد بالفعل ليس مثقفاً.
القارئ الحصيف يتعلم بالتجربة والمران التفريق بين الأديب المثقف والأديب غير المثقف. ولا بد من استدراك مهم هنا؛ فالثقافة حين تفيض على الأدب في النص الأدبي تفسد ما فيه من أدب. الحديث هنا يدور عن أمرٍ مختلف، عن الثقافة المتغلغلة في ثنايا النص الأدبي، فلا يفتعل الأديب الإفصاح عنها بشكل استعراضي، إنما هي التي تفصح عن نفسها في لغة النص وبنيته وذكائه، وما تبعثه من متعة في نفس المتلقي، وما تحمله إلى ذهنه من معرفة، دون ادعاء أو تكلف.
ستتساءلون مثلي: أيجوز أن يكون الأديب غير مثقف؟ أليست البداهة تقتضي أن تكون الثقافة قواماً مهماً في عدة الأديب، أليس الأدب ضرباً من الثقافة؟
عثرتُ على جواب على مثل هذه الأسئلة عند الدكتور طه حسين الذي رأى أن الأديب الذي لا يحسن غير الأدب محدود الثقافة، فيما الأديب الذي يستطيع المشاركة في غير الأدب واسع الثقافة وعميقها.
في مقالته المعنونة ب «ثقافة ومثقفون» قال طه حسين: «إن القدماء من الأدباء لا يحبون أن يقف الأديب بأدبه عند الشعر والنثر والنقد، وإنما يستطيع أن يأخذ من كل شيء بطرف كما قيل في الأيام الماضية».
لكننا لسنا «في الأيام الماضية» التي عناها طه حسين، فمع تشطي العلوم وتفرعها، لم يعد بالإمكان الأخذ «من كل شيء بطرف». لذا فإن المعيار، بتقديرنا، يجب أن يتغير، وتصبح آية الأديب المثقف، أو أي مثقف كان حتى لو كان غير أديب، هي امتلاك الرؤية البانورامية للحياة والكون، والمناهج الحديثة في التحليل والمعرفة التي تعينه على تجسيد هذه الرؤية، سواء فيما يقول أو فيما يعمل
madanbahrain@gmail.com
جريدة الخليج