هذان مصطلحان كثيراً ما نتحير في فهمهما وفي استعمالنا لهما رغم كثرة شيوعهما بيننا. نتأمل فنتساءل: ما الفرق بين رجل الدولة والرجل السياسي؟ ونحن قلما نستعمل اصطلاح «رجل الدولة» في لغتنا السياسية عموماً. وهذا ما يذكرني أيضاً باستعمالنا للكاتب الأدبي والكاتب الصحافي. نقف ونتساءل: ما الفرق بينهما؟ وقد قرأت أخيراً حكمة وجيزة وجديرة تفوه بها رئيس الجمهورية الفرنسية رينيه كوتي في التمييز بين الشخصيتين. ذكر له أحد وزرائه اسم زعيم بارز من زعماء الحياة السياسية في فرنسا. فاستخف الرئيس كوتي به وقال: «آه! إنه ليس سوى رجل عادي بسيط من رجال السياسة». فسأله أحد الحاضرين: ولكن يا حضرة الرئيس ما الفرق بين السياسي ورجل الدولة في رأيك؟ أجابه قائلاً: الفرق بسيط جداً. رجل الدولة يريد أن يعمل شيئاً من أجل بلاده. والرجل السياسي يريد من بلاده أن تفعل شيئاً من أجله!
قرأت ذلك وفهمت عندئذ لماذا لا نستعمل إلا نادراً في لغتنا العربية ومقالاتنا الصحافية اصطلاح «رجل دولة».
يذكرني جواب الرئيس رينيه كوتي بجواب آخر نطق به الرئيس فنسان أوريول عن شخصية رجل الدولة عندما يتولى رئاسة الجمهورية. كان فنسان أوريول من عشاق سباقات الخيل. وكثيراً ما شوهد وهو يتردد عليها. ولكنه بعد فوزه بالانتخابات وتسلمه منصب رئيس الجمهورية حالت برامج أعماله ومسؤولياته الرسمية دون مواصلة ذلك الشغف بالخيول وسباقاتها. ولكن سنحت له الفرصة لحضور السباق المهم المعروف بين الفرنسيين بسباق «الجائزة الكبرى» الذي جرى هذه المرة تحت شرفه، كرئيس جمهورية.
حضر حلبة السباق واحتل مكانه من مقصورة الشرف وانطلقت الخيول وفاز من فاز وخسر من خسر. وجاء دور رئيس الجمهورية ليقدم الجائزة الكبرى للفائز. وفي زحمة الشكليات سأله أحد زملائه من «رجال الدولة» قائلاً له: كم كسبت يا سيدي الرئيس في هذه الجولة؟ فرد عليه أوريول بشيء من الأسى: «ولا شيء. يا ليت! ولكنني رئيس الجمهورية. وبصفتي رئيساً للجمهورية، فأنا يجب أن أكون فوق الأحزاب وأيضاً أن أكون فوق المراهنات»!
لم يسأله أحد من الحاضرين ماذا كان يقصد بالمراهنات؛ على سياسة البلاد أم على سباق الخيل؟
من مميزات رجال السياسة أن يعدوا أنصارهم بكل شيء وأي شيء. ولكنهم عندما يتسلمون الحكم تنتهي النشوة وتبدأ الصحوة. وهو ما عبر عنه رئيس فرنسي آخر بعبارة بليغة جديرة بمن يتسلمون منا مناصبهم الرفيعة فتتقاطر عليهم الطلبات، وهنا في هذا الصدد قال السياسي الفرنسي كاستون دوميرك: «نحن وعودنا مجاملات، ولكن الناخبين يعتبرون مجاملاتنا عهوداً!».
الشرق الاوسط