في دولة الكويت، كل ما يمكن أن يؤدي إلى بزوغ صناعة سينمائية لتؤكد استحقاقها للقب «هوليوود الخليج»، الذي ارتبط بها منذ مطلع الستينات، «مهرجان الكويت» في طبعته الثانية، الذي انتهت فعالياته قبل 48 ساعة، وشاركت فيه عضواً في لجنة التحكيم، من الواضح أنه ولد لكي يبقى وأيضاً لكي ينمو وتتسع دائرته محلياً وعربياً.
دولة الكويت تُشكل عمقاً ثقافياً استراتيجياً، ولا تزال تُقدم الكثير للثقافة العربية من خلال المطبوعات التي تميزت بحسها القومي وليس فقط الكويتي أو الخليجي، الألم والأمل والطموح العربي المشترك، كلها مفردات تستطيع أن تُدركها ببساطة وأنت داخل الكويت، منذ أن تطأ قدمك المطار.
علاقة حميمة خاصة تجمع بين مصر والكويت، غنى للكويت أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم ونجاة وغيرهم، مثلاً لأم كلثوم قصيدة «يا دارنا يا دار» كلمات أحمد العدواني وتلحين رياض السنباطي، ثم بعد ذلك سجلت قصيدة لنفس الشاعر والملحن «أرض الجدود»، بينما بعد هزيمة 67 ومن أجل المساهمة في المجهود الحربي قامت أم كلثوم بجولة عربية في طليعتها دولة الكويت، ووصل سعر التذكرة من فرط الإقبال إلى ألف دينار كويتي، عبد الوهاب غنى أكثر من قصيدة بدأها بما كتبه الشاعر كامل الشناوي مع بداية استقلال الكويت «كل أرض عربية هي أرضي واتجاهي وطريقي، والكويت المستقل بلدي وشعب الكويت شعبي»، المرة الوحيدة التي غنى فيها عبد الحليم حافظ باللهجة المحلية كانت للكويت وقدم ثلاث أغنيات، أشهرها «يا هلي يا هلي» التي كتبها وليد جعفر ولحنها عبد الحميد السيد.
تابعت أيضاً من خلال الأفلام التي شاهدتها في المهرجان، تلك العلاقة التي جسدها فيلم «حاتم صديق جاسم»، إخراج أحمد إيراج، تبدأ الأحداث عندما يستقبل جاسم الكويتي في المطار صديقه المصري حاتم، ويقدم المخرج تلك العلاقة بين الشابين والتي تحمل في ظلالها حالة الدفء بين الشعبين المصري والكويتي، الفيلم رغم نهايته الحزينة بموت الشاب المصري في حادث غير متوقع، فإنه يقع في إطار الكوميديا المغلفة بهامش من الشجن النبيل.
ولا يمكن طبعاً أن يقتصر الأمر على العلاقة الثنائية بين مصر والكويت، حيث إن الجسور ممتدة مع كل الدول العربية، وتجد هذا ماثلاً في كثير من الأفلام، كما أن لجنة التحكيم كان بها من البحرين المخرج بسام الزوادي ومن الأردن الممثلة نادرة عمران ورأسها من الكويت الباحث عمار التميمي، وكان من المفترض حضور أحد المحكمين من دولة الجزائر إلا أنه في اللحظات الأخيرة اعتذر.
المناخ الثقافي في الكويت قادر على تهيئة حالة سينمائية راسخة، والفيلمان الفائزان بالجائزتين الأولى والثانية في مسابقة الأفلام الطويلة هما، الأول «سرب الحمام» للمخرج رمضان خسروه، الذي يتناول مقاومة شعب الكويت الغزو الصدامي، مع حرص الفيلم على التأكيد بأن ما حدث لا يعبر سوى عن لحظة طائشة لقرار مجنون اتخذه صدام، كما أن الجائزة الثانية نالها فيلم «عتيج» للمخرج أحمد خلف الذي يتناول ثلاثة مسارات درامية تجمع بين الزمنين الآني والماضي.
عُرض الفيلمان جماهيرياً وحققا إقبالاً في شباك التذاكر، وتلك أتصورها هي قطرات المطر التي تسبق الغيث، الكويت من خلال المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تهيئ المناخ الصحي لدعم الإنتاج، ولهذا أقول للسينما وعلى الطريقة الكويتية: «يا هلي يا هلي».
جريدة الشرق الاوسط