مرت يوم الخميس 30 ابريل 2020 الذكرى الـ 22 لرحيل الشاعر السوري نزار قباني الفائز بجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي الدورة الثالثة 1992 ـ 1993، حيث جاء في قرار المنح حسب مجلس أمناء جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية بأحقية الشاعر نزار قباني لمثل هذه الجائزة تكريماً له وتقديراً لريادته ودوره الشعري الطويل وعطائه المتواصل المستمر على مدى 50 عاماً، حيث أنه من رواد التجديد في شعرنا العربي المعاصر، منذ ديوانه الأول “قالت لي السمراء” الصادر عام 1944 الذي أحدث تغييراً جذرياً في أساسات الشكل والمضمون في القصيدة العربية، ومنذ هذا الديوان الرائد وهو يتابع مسيرة التجديد وحفر قناة خاصة في بحار الشعر العربي.
وإضافة إلى شعر الحرب والعاطفة، الذي ركز عليه الشاعر في بداياته وحاول عبره إخراج علاقات الحب من بلاغة الخطاب العربي التقليدي إلى شمس الكشف والحقيقة، فإن الشاعر لم يفته الالتفات إلى هموم أمته وقومه، فعبر بشعر الرفض والمقاومة للكشف عن مهازل حياتنا السياسية، وذلك بعد نكسة 1967، حيث مارس في قصائد له كـ”هوامش على دفتر النكسة” نقداً ذاتياً للتقصير العربي.
ويرى المجلس علاوة على ما سبق، أن الشاعر من أكثر الشعراء العرب شعبية وانتشاراً وتأثيراً في وجدان مواطنيه بمشروعه الشعري المتميز، الذي جعل من الشعر حديقة عامة يدخلها الجميع حين أخترع بإبداع فريد ومتماسك لنفسه لغة خاصة تقترب من لغة الحوار اليومي واتجه بشعره إلى جميع طبقات الشعب، كاسراً جدار العزلة والخوف بين الناس والشعر، ما جعل شعره يدخل إلى كل بيت عربي، وأمسياته التي يقيمها في المدن العربية من الظواهر الثقافية ليؤكد بذلك موقع الشعر الخطير في حياة العرب وفي تشكيل وجدان الإنسان العربي، ويعزز مسؤولية كل شاعر تجاه جمهوره في آن واحد.
لهذه الأسباب فإن مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية يرى في الشاعر “نزار قباني” جدارة بتمثيل جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي لهذه الدورة 92-93، ويمنحه الجائزة على كافة أعماله الشعرية والنثرية، البالغة 41 مجموعة، وحيث ما يزال عطاؤه مستمراً ومتواصلاً مع الجمهور العربي الكبير، تاركاً بصماته الخاصة والمنفردة على ساحتنا الثقافية العربية بخطابه الشعري، العاطفي منه والسياسي، المتميز بالصدق والتوتر العالي وبالبساطة المستعصية المبدعة والعميقة معاً.
يذكر أن نزار قباني دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 بدمشق ودرس الحقوق في الجامعة السورية، وفي عام 1945 إنخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان “قالت لي السمراء” وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها “طفولة نهد” و”الرسم بالكلمات”، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم “منشورات نزار قباني”.
وعلى الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ إنتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته “الأمير الخرافي توفيق قباني”. عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة “متى يعلنون وفاة العرب؟”، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.