– ما هكذا يودع الصديق أصدقاءه؟ ما هكذا يخفت ضجيجك، يا حبيب.. وفجأة تغيب!
– ما هكذا تقول لمدينتك التي تحب:أنتِ والبحر، ولي كل هذا السفر؟ هكذا تعلنها يا حبيب.. هكذا يكون قرار المغيب!
– ما هكذا تغادر دون أن تلوح لكل المدن التي عشقت وفرحت وكتبت؟ ما هكذا يا حبيب؟ فجأة تغيب!
– ما هكذا نفر ّ من حياة حلوة وملونة ومشتركة، وكانت واعدة، ولمثلك سالكة يا حبيب.. وفجأة تغيب؟
– ما هكذا كان الاتفاق، كانت هناك برامج مؤجلة، وسفرات مقبلة، وضيوف عابرون، وضعوك على أجندة مواقيتهم، يا حبيب.. وفجأة تغيب.
– ما هكذا تترك القراطيس بيضاء، والصحف لم تطو، والأقلام لم تجف يا حبيب.. وفجأة تتركها، وتغيب!
– ما هكذا تبقى الأشياء على حالها، على طاولة المكتب في أبوظبي، وفي الشارقة، على طاولة اتحاد الكتّاب، وفي مبنى جريدة الخليج، تنتظر حبرك، وغضبك، وشططك الأزرق، وأرقك وقلقك وألقك يا حبيب.. وفجأة تغيب!
– ما هكذا تترك الكتب غير مكتملة، وفيها قصص لقراءات توقفت عند الصفحة 167، وكتباً في الفصل الثاني، وكتباً مطوية في طرف صفحتها من الأسفل، وكتباً ما زالت تستند على طرف من جدار غرفة النوم لم تفتح بعد، كيف تتركها مستيقظة يا حبيب.. وفجأة تغيب!
– ما هكذا يترك شاعر قصيدته؟ ولا هكذا تهزمه قافيته؟ ولا هكذا يغرقه بحر شعره يا حبيب.. فجأة تغيب كل الأشياء، وتغيب!
– ما هكذا اعتدنا الأمور أن تسير؛ رسالة له على «الواتساب» قبل يومين بشأن موضوع عمل، قرأها، وحملت شريطين أزرقين، ورسالة منه رداً: «إن شاء الله، كل الشكر الغالي ناصر، بوركت الجهود المخلصة»، وبعدها صباح الوفاة، ولأننا بين مدينتين متباعدتين، وحين استبطأت رده، أرسلت له رسالة قصيرة من باب التذكير، والتي تنفع المؤمنين، ولا أدري لم نظرت لآخر مرة كان على الخط، وكانت الساعة تشير إلى ما قبل الفجر بوقت، فأيقظني ذلك الإحساس دون أن أدري شيئاً، بقيت تلك الرسالة الأخيرة دون أن تقرأ، ودون أن تحمل شريطين أزرقين، فقط جاءني نعي حبيب، وأنه لن يجيب!
جريدة الاتحاد