تشاء سخرية الأقدار أن أهم فنان وضع أهم فيلم في هجاء هتلر والنازية، اتهم بمناصرتهما، ونعني الفنان شارلي شابلن في فيلمه الشهير «الديكتاتور العظيم»، وما التهمة التي ألصقت به بمناصرة النازية إلا أحد وجوه المكائد السياسية التي تعرض لها شابلن، والتي جعلت من الممكن أن يتهم بالنقيضين في آن واحد: مناصرة الشيوعية ليصبح إحدى ضحايا الحملة المكارثية، ومناصرة النازية.
لكن شابلن لم يكن هذا ولا ذاك، ولكنه حامل لرؤية نقدية لسياسات الهيمنة الأمريكية، ولتصاعد النزعة القومية والعسكرية في السياسة العالمية، دون أن يتردد في المجاهرة بهذا الموقف ما جعله هدفاً للحملات المغرضة التي رمت للحط من قدره لدرجة تلفيق تهم عديدة ضده.
الطريف في الأمر أن متهمي شابلن بمناصرة هتلر انطلقوا مما يعتبرونه نقاط شبه بينه وبين هتلر في قسمات الوجه، فضلاً عن أنهما من مواليد نفس السنة بفارق أربعة أيام فقط، وكلاهما انتقل من حياة الفقر المدقع ليصبحا اسمين مهمين، كل في مجاله، على المستوى العالمي.
جرى التركيز على شارب شابلن للزعم بأنه يحاكي فيه شارب هتلر، لكن يوسف أبو الحجاج الأقصري في كتابه عنه يورد معلومة مضمونها أن شابلن وضع الشارب على وجهه قبل أن يصبح هتلر زعيماً، بل يذهب إلى القول إن هتلر هو من قلّد شارلي شابلن في اختيار قصة شاربه.
لم يأبه شارلي شابلن بتهمة مناصرته للنازية، بل إنه انطلق من التشابه الظاهري بينه وبين هتلر، فقام بدراسة شخصيته، ومراقبة حركاته أثناء الخطابات، ليجهز قصة لفيلمه الذي أتينا على ذكره: «الديكتاتور العظيم»، والذي كرّسه للسخرية من هتلر والفاشية، في رد بليغ على من ساقوا ضده التهمة.
اشتغل شابلن على نص الفيلم فترة طويلة قاربت العامين، وبدأ تصويره في 1939 واستغرق إنتاجه عاماً كاملاً، حيث أطلق أول مرة في أكتوبر 1940، ولتفادي الدعاوى القضائية ضد الفيلم وصاحبه اضطر شابلن لتغيير بعض الرموز والأسماء، فهو، على سبيل المثال، استبدل رمز الحزب النازي: الصليب المعكوف بالرمز X، ولعب شابلن نفسه دور هتلر في الفيلم.
أخذ النقاد على الفيلم نهايته، حيث لم يستطع شابلن التحرر من رغبته في توجيه نقد لاذع للنازية، فراح يندد وعينه مباشرة على الكاميرا بالحرب وبالنازية والفاشية اللتين تسببتا فيها، حيث رأى هؤلاء النقاد أن شابلن لم يكن، في هذا المشهد بالذات، موفقاً، إذ كان من المتعين الفصل بين ما هو سياسي وما هو فني.
جريدة الخليج