هل يفوز أدونيس بعد “الفضيحة” ويلتحق بنجيب محفوظ؟
بدا إعلان الأكاديمية السويدية منح جائزتين في حقل الأدب هذه السنة، بعدما حجبت جائزة العام الماضي جراء الفضيحة الجنسية، حدثاً نادراً في تاريخ هذه الجائزة العالمية العريقة. لم تسع الجائزة طبعاً عبر هذه المبادرة المفاجئة إلى الحفاظ على سمعتها والرد على الاتهامات التي كيلت لها، فهي تظل الجائزة الكبرى عالمياً ولا تؤثر فيها الإشاعات مهما لفّقت وراجت. شاءت الأكاديمية ألا تحدث فراغاً في مسار الجائزة مثل الفراغ الذي حصل قسراً خلال الحرب العالمية الأولى في العامين 1914 و1918، وبين العامين 1940 و1943 نتيجة استشراء الحرب العالمية الثانية، عندما حجبت الجائزة لأسباب سياسية وعسكرية، خارجة عن إرادة الأكاديمية. وكان وقع الفضيحة الجنسية على الأكاديمية العام الماضي، شبه كارثي، وكاد أن يهز أركانها، فاضطرت للمرة الأولى في تاريخها أن تحجب جائزة الأدب لأسباب “أخلاقية” بعدما طاولت فضيحة التحرش والاغتصاب غايتها وجوهرها وانعكست سلباً على مسيرتها. مرّ العام 2018 من دون أن يفوز كاتب بجائزة نوبل الأدبية. والنقاد والإعلاميون والقراء الذين كانوا ينتظرون إعلان اسم الفائز بهذه الجائزة كي يحتفلوا به أصيبوا بالخيبة. حتى القراء في أنحاء العالم كافة الذين كانوا يتابعون إعلان اسم الفائز ليقبلوا على شراء كتبه، أصيبوا أيضاً بالخيبة. فهذه الجائزة تملك “سطوة” على الأدباء والنقاد والقراء وينتظر الجميع موعد منحها.
كانت الأكاديمية السويدية أعلنت حجب جائزة الأدب قبل أشهر من منحها العام الماضي، في بيان حسَم الجدال القائم منذ نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2017 بعد رواج إشاعة عن «سوء سلوك جنسي» أضحت بمثابة فضيحة أربكت أعضاء الأكاديمية والمثقفين السويديين وجمهور نوبل في السويد والعالم، وأسفرت عن اتهامات وصراعات معلنة وخفية، داخل الأكاديمية وخارجها، أدت إلى اللجوء إلى المحكمة. أحدث القرار التاريخي للأكاديمية في حجب جائزة الأدب، صدمة شغلت الصحافة العالمية والمواقع الإلكترونية والأوساط الأدبية في العالم التي تنتظر سنة تلو أخرى اسم الكاتب الفائز بأرقى جائزة أدبية. إلا أن من تابع مسار السجال الذي شهدته أروقة الأكاديمية حينذاك، أدرك أن المسألة غير مقتصرة على “سوء سلوك جنسي” بل هي تطاول أحوال الأكاديمية الداخلية نفسها، وانقسام أعضائها حول شخصية السكرتيرة الدائمة للأكاديمية سارة دانيوس التي أُقيلت في 12 أبريل (نيسان) العام 2018، وأثارت إقالتها حركة احتجاج كبيرة. فهذه السكرتيرة التي كانت تملأ موقعها، سرعان ما عهدت إلى مكتب محاماة بمهمة التحقيق في أمر فضيحة “السلوك الجنسي السيء” الذي سماه بعضهم علناً “تحرشاً جنسياً”، والذي اتُهم به زوج كاتارينا فورستنسون، العضو في أكاديمية الخالدين، وهو مصور فرنسي – سويدي يدعى جان كلود إرنو، إضافة إلى اتهامه بتسريب أسرار الأكاديمية والأسماء الفائزة قبل إعلانها. وكانت 28 امرأة اتهمنَ زوج كاتارينا بالتحرش بهنّ خلال عمله. وعقب صدور نتائج تحقيق مكتب المحاماة، رفضت أكثرية الأعضاء هذه النتائج، وأحجمت عن رفع شكوى قضائية ضد الزوج المتهم الذي يشغل موقع المدير الفني للـ “فوروم” أو “المحفل” الثقافي الشهير في استوكهولم. وجددت الأكثرية ثقتها بكاتارينا وأعلنت دعمها إياها. لكنّ ثلاثة من الأعضاء اعترضوا واستقالوا في 6 أبريل، مؤيدين التحقيق الذي قامت به السكرتيرة الدائمة التي أُقيلت بعد ستة أيام من منصبها. وكانت أقيمت تظاهرة ضخمة أمام مركز الأكاديمية شاركت فيها ألفا امرأة دعماً للسكرتيرة، وأعرب آلاف المثقفين السويديين اعتراضهم على إقالتها، فهي بنظرهم المرأة الأولى التي تتولى مثل هذا المنصب. وكانت سارة بدأت مشروع تحديث للأكاديمية يشمل بنيتها ونظامها الداخلي. ويبدو أن مشروعها لم يرُقْ لبعض الأعضاء الآخرين. ومما زاد من حال الاضطراب داخل الأكاديمية إقدام 227 أستاذاً أكاديمياً و700 باحث من الجامعات السويدية على رفع بيانات صارمة أعربوا فيها عن قلقهم إزاء واقع الأكاديمية واحتجاجهم على الفضيحة، مركزين على أن الأكاديمية “تؤدي دوراً مركزياً في صون الصرح الأدبي واللغوي في السويد”. هكذا بدا قرار الأكاديمية حجب جائزة الأدب رداً على الفضيحة أولاً، ثم التفافاً على الصراع الداخلي الذي كاد يستشري مؤثراً سلباً في الأكاديمية نفسها التي تعاني “تضاؤلاً في عدد أعضائها حالياً وتراجعاً في ثقة الناس فيها”. وأضافت الأكاديمية حينذاك في بيانها: “تحتاج الأكاديمية وقتاً لتعاود العمل بقوتها السابقة، وتستعيد أعضاءها الفاعلين والثقة في عملها قبل إعلان الفائز المقبل بجائزة الأدب للعام 2019”.
ولكن لم تمض أشهر حتى أعلنت الأكاديمية تعيين عضوين جديدين في إدارتها العليا، وهو كان لا بد من أن يحصل، بعد حملة الإقالة المعروفة. إلا أن المفاجأة كانت في اختيار الشاعرة السويدية – الإيرانية زيلا مساعد في “التشكيلة” الجديدة، عطفاً على قاض في المحكمة السويدية العليا هو أريك رونسون. هذه الشاعرة المعروفة في إيران والسويد لم تتخلّ عن لغتها الأم أي الفارسية، بل ظلت تكتب بها وتصدر كتباً. أمضت زيلا نحو 32 عاماً في إيران التي ولدت فيها ودرست قبل أن تغادرها بُعيد الثورة الخمينية في العام 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية. وتحدثت عن سبب مغادرتها إيران في العام 1986 أكثر من مرة، معتبرة أن العمل في المجال الثقافي والأدبي أضحى صعباً في الجمهورية الجديدة، بعد صعود موجة الرقابة وفرض الأيديولوجيا الرسمية وتضييق الحرية الشخصية والعامة. عملت زيلا في الإذاعة والتلفزيون الإيرانيين في عهد الشاه، وكتبت الشعر والرواية والقصة، وأصدرت دواوين عدة وروايتين. ومن عناوين دواوينها باللغة الفارسية: القمر والبقرة الأزلية، سبعة محيطات هائجة، مخدة تحت ماء النهر، كل ليلة أقبّل الأرض، ماذا أفتقد هنا…، في العام 2013 دخلت رابطة الكتاب السويديين، وحظيت أعمالها بترحاب في الصحافة والنقد. لكنها ظلت إيرانية الهوى والجذور، عالمها شرقي المنابت وفارسي المعالم، فهي سليلة التراث الشعري الفارسي العريق بأعلامه الكبار مثل حافظ الشيرازي والرومي وجامي وسواهم. لكنّ “تيمة” المنفى برزت في شعرها الذي كتبته في وطنها الثاني الذي عدّته “منفى” وبدت قصائدها تحفل بأحوال الحنين والشوق. وتعتبر زيلا أنها نالت في السويد بلدها بالتبني، تقديراً لم يكن لها أن تلقاه في إيران.
وفي انتظار البدء في الرهان على الاسمين المتوقع فوزهما بالجائزتين وانتشار الإشاعات عشية منحهما في موسم نوبل في الخريف المقبل، لا بد من السؤال: هل يكون للعرب نصيب هذا العام لا سيما أن جائزتين ستمنحان معاً؟ هل سيبتسم الحظ للشاعر أدونيس هذه السنة بعد ترداد اسمه مرات عدة في لوائح المرشحين؟