أذكر أن أستاذنا علي سيّار، أحد رواد الصحافة في البحرين أطال الله في عمره، والذي على يديه تلقيت خبراتي الأولى في الصحافة، حين عملت في مطالع شبابي بالسبعينات الماضية في مجلته الأسبوعية «صدى الأسبوع»، يوم لم تكن الصحف اليومية قد بدأت في الصدور بعد في البحرين، يُحرر زاوية صغيرة في كل عدد من أعداد المجلة تحت العنوان أعلاه، هي عبارة عن «أخبار» مغفلة المصدر، وخالية في الغالب الأعم من الأسماء، يلتقطها هو نفسه من أحاديثه أو تواصله مع مسؤولين في الدولة أو يسمعها من مصادر موثوقة، ولكنها ليست للنشر بالتفصيل.
وبحكم عملي في المجلة، كنت أطّلع على ما يكتبه الأستاذ حتى قبل صدور العدد، وكان يثير في نفسي فضولاً لمعرفة من المقصود وما الغاية من الخبر، وأعتقد أن هذا الفضول أو حتى التشويق، إن صحّ القول، ينتاب قراء المجلة بعد أن تصدر.
وببعض البحث وجدتُ من يقول إن أصل هذا التعبير ليس عربياً، وإنه لا يعدو كونه ترجمة للمثل الإنجليزي القائل The walls have ears، وأن من أطلقه هو أحد الوزراء البريطانيين، واسمه أنيد بلايتون في عهد الملكة كاثرين التي كانت تحرص وهي تبني قصورها على أن تضع في مرافقها ومطابخها أجهزة تنصّت حتى تسمع ما يتناقله العامة والخدم في القصر، وبذلك تفاجئهم بأنها عالمة بكل شيء، وكان الوزير المذكور بهذا التعبير يعني تلك الأجهزة بالذات التي جعلت للجدران آذاناً.
لكن هناك رأياً آخر، وإن كان أصحابه غير معنيين بنفي الرواية أعلاه عن جدران الملكة البريطانية، لكنهم يعزون أصل التعبير إلى حكاية في التراث العربي، ويستشهدون بأبيات من الشعر للشيخ شهاب الدين بن العطّار يقول مطلعها: يا ناطقاً من جدار وهو ليس يرى/ اظهر وإلاّ فهذا الفعل فتّان/ لم تسمع الناس للحيطان ألسنة/ وإنما قيل للحيطان آذان.
كما يستشهدون بأبيات أخرى ذات صلة قائلها محمد بن علي بن أحمد الحاكمي الخوارزمي، بينها هذا البيت: «ولا تفه بكلامٍ لست تأمنهُ/ فربما كان للحيطان آذان».
ويروي آخرون حكاية، فحواها أنه شاع بين الناس أن شخصاً يتكلم من داخل حائط فاعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة، وقال قائلهم: «يا رب سلّم ! الحيطة تتكلم»، ليكتشفوا أن الأمر مفتعل من شيخ، يقال له ركن الدين عمر مع آخر يقال له أحمد الفيشي اتفقا على تلقين زوجة الفيشي ما تتكلم به من فتحة في الحائط.
جريدة الخليج