الأغرب في كل ما يتعلق باليسار واليمين، أن هناك موسيقى يسراوية وموسيقى يمناوية. وهذا شيء لم أسمع به إلا بعد نشر البروفسور كارل سميث، أستاذ علم النفس في جامعة ويسكونسن بعد سنوات من البحث والتنقيب في عالم الموسيقى. تبين له أن الموسيقى ترتبط بالجانب الأيمن من الدماغ، في حين ارتبط التفكير اليومي بالجانب الأيسر. ونظراً لظاهرة الانعكاس في الجهاز العصبي، فإن ذلك يعني أن الجانب الأيسر هو الجانب الموسيقي من وجهنا. وعندما يكون ذلك الجانب قوياً ومعبراً فإن ذلك يعني أن صاحبه عبقري من عباقرة الموسيقى، ويستشهد الباحث بعشرات الموسيقيين وعلى رأسهم بتهوفن. واتضح أن 98 في المائة من مغني الأوبرا لهم وجوه يسراوية. نحن نعرف أن بوبي شارلتون بطل كرة القدم الإنجليزي كان لاعباً يسراوياً ويضرب الكرة بقدمه اليسرى، وأن بورغ بطل كرة التنس كان أيضاً يمسك المضرب بيده اليسرى، وأن دافنشي رسم لوحته الشهيرة موناليزا بيده اليسرى. وأنا مثلاً توجعني بطني من الجانب الأيسر. ولكن هذه أول مرة أسمع أن مغنياً يغني من الجانب الأيسر.
وهذا يعني أن تناظر الوجه خرافة لا أساس لها. الجانب الأيسر من الوجه لا يطابق الجانب الأيمن. إذا كان للشخص أنف طويل منحرف إلى اليمين فسيصبح عندئذ مثل المليونير غولد سميث. يعرف فقط كيف يحوش الفلوس. وإذا كان للشخص خد عميق أيسر فسيكون له نصيب كبير في مزاحمة فلاديمير هوروتز في الضرب على البيانو. ويرى البروفسور سميث أن من مضيعة الوقت أن تحاول السماع لصوت طفل أو طفلة لامتحان أذنيهما لمعرفة قدرتهما الموسيقية. كل ما تحتاجه هو النظر إلى جانبي الوجه. من الآن وصاعداً سيكون علينا تصحيح لغتنا. علينا ألا نقول إن لمحمد عبد الوهاب أذناً موسيقية أو حنجرة ذهبية. بل نقول إن له خداً موسيقياً وحنكاً ذهبياً.
وكشفت لي هذه الدراسة عن حقيقة مهمة. كنت أعتمد في كل معلوماتي الموسيقية على توجيه زميلي نجيب المانع الذي اعتبرته بكل تواضع أرهف رجل قابلته في حياتي على إحساسه الموسيقي ومعرفته الغنية في الموضوع. والآن عرفت السر، كان رحمه الله رجلاً يسراوياً. هذا كل ما في الأمر.
ولا تقابل الشخصية الموسيقية للمانع غير شخصيتي غير الموسيقية. والسبب هنا واضح. إنني أشخر في الليل. ولا أشخر إلا من المنخار غير الموسيقي، أي المنخار الأيمن. ولكنني أواجه محنة أخرى. الظاهر أنني أضعت حياتي في عالم الكتابة والبحث. فحسب مطالعات هذا البروفسور الأميركي من ويسكونسن، كان المفروض أن أكون مصارعاً أو ملاكماً، يقول البروفسور إن كل أبطال المصارعة والملاكمة كانوا يتميزون بوجه يمناوي عليه حاجب كث ممتد لليمين حتى يلتقي بشعر الرأس. وهو ما يزعجني في وجهي ويقزز الحسان مني. عفا الله عنك يا والدي. لو أنه فقط دربني على المصارعة بدلاً من كل هذا الوجع دماغ من تاريخ الأمة العربية وقواعد اللغة، لكنت الآن من أعلام العالم العربي، تحيط بي الكؤوس والأوسمة في الملاكمة، ويستمع إلي الجمهور في أي موضوع يعجبني، ومن لا يستمع أسدد له لكمة قاضية.
جريدة الشرق الأوسط