هل يعرف العالم العربي الهند جيّداً؟ هل لديه أدنى تصور لموقعها في آتي هذا القرن؟ هل عنده ولو فكرة تقريبية نسبية، وصورة ولو ضبابية، لما يدور في الدماغ الهندي الذي يلوح ساكناً في حالة تأملات نرفانية؟
من العوامل المساعدة على الفهم الجيد للتجمعات البشرية العريقة، النظر أوّلاً إلى ميراثها الثقافي، ثم تأمل ما فعلته به وتفعله. في شأن الهند، القراءة مفعمة بالإيحاءات. حين يذكر الناس سياسة اللاعنف، يتبادر إلى الذهن المهاتما غاندي، بينما هي أقدم منه بما يقل قليلاً عن ثلاثة آلاف سنة، فهي في صميم معتقدات الهنود.
قابلية الهنود للديمقراطية وحريات الفكر والرأي والتعبير، ومكانة المرأة ودورها، متجذرة في التراث الهندي العريق. لكن المدهش في الشخصية الهندية هو الدماغ الذي لديه استعدادان يبدوان ظاهرياً متناقضين: انجذاب شديد إلى التصوف والعرفان والتأمل والرياضة الروحية، وموهبة لا شك فيها في الرياضيات. الرياضيات أساس الفيزياء. البحوث التجريبية التي تجريها الهند في مجال الطاقة، تنبئ بمستقبل مختلف عن دروب الصين وروسيا، وسيكون بعيداً كلياً من النموذج الغربي، الأوروبي والأمريكي. روسيا لها أقيانوس من الغاز والنفط. الصين سائرة نحو الرأسمالية عبر الاشتراكية (بضاعة زهيدة الثمن بأرقام إنتاج نجومية). الهند ليس لها موارد طاقة، نفوسها 1.2 مليار ومساحتها 3.2 مليون كم مربع. لا يستبعد القلم أن تقلب الطاولة على كل أشكال تجارة الطاقة، عبر تحقيق حلم «تسلا»، السيارة التي يستهلك محرّكها الكوانتومي خمسين واتا، وتنتج عشرة آلاف وات. تصبح الطاقة لكل البشر مجاناً. باختصار: عالم مختلف.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: اسم الهند الحقيقي «بهارات»، العقل العربي يحتاج إلى بعض هذه التوابل.
جريدة الخليج