أديبان فلسطينيان كبيران، عاشا في الزمن نفسه، وخرجا من بيئة المعاناة نفسها الناجمة عن النكبة الفلسطينية الأولى عام 1948، حتى ولو اختلفت التفاصيل، أخذتهما الأقدار إلى مطارح مختلفة، جعلت حياتيهما مختلفة أيضاً، لكنهما حملا الهمّ الفلسطيني نفسه، وتركا لنا وللأجيال القادمة إرثاً أدبياً مهماً.
الأديبان هما: غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا.
الأول سيسقط شهيداً، وهو لم يزل شاباً في عملية اغتيال دبّرها الموساد «الإسرائيلي»، لتكون واحدة من أولى العمليات التي استهدفت الرموز الفلسطينية في بيروت، إن لم تكن أولاها على الإطلاق، وستمتد الحياة طويلاً بالثاني حتى يختاره الله على أرض اللجوء التي اختارها مستقراً له حتى النهاية: بغداد.
الناقد الفلسطيني المعروف الدكتور فيصل درّاج عقد مقارنة بين أدب الرجلين في الدراسة القيّمة التي وضعها عن جبرا إبراهيم جبرا، وصدرت في كتاب ضمن سلسلة مجلة «دبي الثقافية» في العام 2015.
لاحظ دراج اختلاف تنشئة الرجلين. جبرا كان مأخوذاً بسرد القصص والحكايات منذ مطالع شبابه، تيسّرت له ثقافة عالية قادته إلى شكسبير وصموئيل بيكت وديستوفسكي وألبير كامو، علّمته الكتب والقواميس التي انكبّ عليها، وبسبب هذه الثقافة التي وصفها الناقد ب «الكُتبية»، ارتاح جبرا إلى «بطل ذهني» محاط ببشر واقعيين، لذا غلبت على رواياته الأسئلة والإجابات الذهنية.
يختلف الأمر عند غسان الذي استشهد حتى قبل أن يبلغ الأربعين من عمره، فهو لم يأت من «كلية النجاح» في القدس ولم يكمل تعليمه في واحدة من أرقى الجامعات البريطانية كما هي الحال مع جبرا، ولم يصبح أستاذاً جامعياً تعينه لغته الإنجليزية على أن يصبح مترجماً رائعاً، حدّ ترجمة شكسبير نفسه إلى العربية.
ذهب غسان لاجئاً مع عائلته إلى لبنان، وعرف مساعدات وكالة الغوث، وأصبح معلم رسم في إحدى مدارس صيدا، وعاش التجربة الفلسطينية في أبعادها كلها، «فراقب، غاضباً، الفلسطينيين في مخيماتهم وهجس أكثر بالأسباب التي أنتجت مأساة غير مسبوقة، لتقوده تساؤلاته إلى أن يصبح مناضلاً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وليكون أحد قيادييها، ورئيساً لتحرير مجلتها الأسبوعية، وأحد كتاب الدراسة والمقالة السياسية.
مثل جبرا شغف غسان منذ شبابه بالأدب، فكتب القصة القصيرة والمسرحية والدراسات الأدبية والرواية بطبيعة الحال.
يبدو مفهوماً إذن كيف انعكست ملابسات الحياة المختلفة للرجلين على إبداعاتهما. لا وقت لغسان الذي كانت السياسة جزءاً من حياته للأسئلة والأجوبة الذهنية، لقد كان مشغولاً بالسؤال الكبير الذي اختصره في روايته «رجال في الشمس»: لماذا لم يقرعوا جدران الخزان؟
جريدة الخليج