في السنوات الأخيرة لاحظ رواد مهرجان «كان» كتابة الحوار باللغة الإنجليزية إلكترونياً على الشاشة، حتى الأفلام الناطقة بالإنجليزية، وذلك منعاً لأي لبس محتمل.
تلك الإضافة لجأ إليها المهرجان العريق، الغرض منها ضمان الاستمتاع بالعمل الفني الناطق باللغة الإنجليزية، التي تحتل المرتبة الأولى في عدد جنسيات الدول التي يتعاملون بها أو يتعلمونها، كتابة الحوار المسموع على الشاشة يلعب دوراً إيجابياً في سرعة استيعابه، نُطق الكلمة بأداء درامي، يؤدي أحياناً إلى صعوبات في فهمها، خاصة لو لم تكن الإنجليزية هي اللغة الأولى للمشاهد.
هذا التوجه، يساهم في نجاح الشريط السينمائي، بينما تلك الوسيلة في عالمنا العربي لو تم الإشارة إليها تواجه عادة برفض سببه فرط الحساسة.
بين الحين والآخر يطالب بعض الزملاء بكتابة الحوار على الشاشة في الأفلام المغاربية (التونسية والجزائرية والمغربية) للمساعدة في سرعة تلقي اللهجة، عدد من مخرجي المغرب العربي، يرحبون بذلك، وشاهدت في بعض المهرجانات العربية يكتب الحوار على الشاشة بالعربية المبسطة التي يطلقون عليها (اللهجة البيضاء)، ويستوعبها كل العرب، إلا أن العدد الأكبر من المخرجين المغاربة يرفضون هذا الاقتراح، لأنه يُفقد على حد قولهم جزءاً من خصوصية الفيلم.
المخرج التونسي المعروف نوري بوزيد، وفي أكثر من لقاء عندما يسأله النقاد والصحافيون العرب، يأتي الرد مباشرة، لماذا نفهم ببساطة اللهجات المصرية واللبنانية والخليجية، حاولوا أن تبذلوا بعض الجهد حتى تألفوا لهجتنا، وما يقوله المخرج التونسي الكبير، به قطعاً الكثير من الحقيقة، الذي منح مثلاً اللهجة المصرية هذا الزخم العربي هو التراكم قبل حتى الانتشار السينمائي، من خلال الأسطوانات التي عرفناها في نهاية القرن التاسع عشر، ولعبت أغاني سيد درويش، ومنيرة المهدية، وأم كلثوم، وصالح عبد الحي، وعبد الوهاب وغيرهم من أساطين النغم دوراً محورياً في تداول اللهجة المصرية، وجاءت السينما والطريق ممهد والأذن مستعدة.
لا شك مثلاً أن شطارة السوريين في «دوبلاج» الأعمال الدرامية لعبت دوراً في انتشار اللهجة الشامية، ونذكر أيضاً أن صوت فيروز ووديع الصافي وغيرهما لعبا دوراً محورياً في الترويج للهجة اللبنانية، بينما طلال مداح ومحمد عبده ونبيل شعيل وعبد الله الرويشد وغيرهم ساهموا في انتشار اللهجة الخليجية، وكاظم الساهر ساهم في انتشار اللهجة العراقية، وصابر الرباعي بعد أغنيته بالتونسية «برشا برشا» صار العرب يرددونها في حوارهم اليومي.
أغلب مطربي المغرب العربي يفضلون الغناء في مصر باللهجة المصرية، وفي الخليج بالخليجية، بل أحياناً عدد منهم عندما تتم استضافتهم في برامج يتحدثون أيضاً بالمصرية.
أتذكر قبل أكثر من ربع قرن، كان المخرج المصري الكبير صلاح أبوسيف يعرض فيلمه «المواطن مصري»، في واحد من المهرجانات في المغرب العربي، سألوه عن رأيه في السينما المغاربية، فأشاد بما حققه المخرجون، وأشار إلى أنه يشاهد بعض الأفلام المغربية مستعيناً أحياناً بالترجمة، واقترح أن يُكتب بالعربية تعليق إضافي للتسهيل، ووقتها احتج عدد من الحاضرين، وقالوا ولماذا نفهم نحن اللهجة المصرية؟، وأدرك أبو سيف حساسية الموقف، وقال إن الحل الثاني الذي يتمناه، هو أن يزداد عدد الأعمال المغربية في مصر فيألفها الناس.
المؤكد أن التراكم سيؤدي للألفة مع اللهجة، ولكن وحتى يحدث ذلك، لماذا لا تطبق المهرجانات العربية ما أقدم عليه مهرجان «كان»، أليست فكرة حلوة «برشا»!!.
جريدة الشرق الاوسط