قاد مهاجر عربي سيارته من قرية صغيرة في جنوب ألمانيا ووصل إلى منزل شقيقته في قرية شمال النرويج. لم يقف ليسأل عابراً أو ليستشير خريطة. وبعد السلامات والأحضان، قال منتصراً: «وصلت إليكم بفضل آينشتاين وجهاز جي بي إس».
حمل آينشتاين 4 جنسيات. فكان ألمانياً ونمسوياً وسويسرياً وأميركياً. لكنه عاش في شبابه 5 سنوات كان فيها مجرداً من أي جنسية. تعثرت مسيرته الدراسية وهو في السادسة عشرة. سافر من ألمانيا ليدرس في معهد سويسري للتقنية، يقبل الطلاب الذين لم يحصلوا على البكالوريا. فشل في اختبار القبول لكن المشرفين انتبهوا لقدراته فنصحوه بإعادة الامتحان. أعاده في السنة التالية ونجح. واصل الدراسة ونال الدكتوراه ثم «نوبل» الفيزياء. وفي ذلك المعهد تعرف على زميلته مليفا ماريك. أعجبته ولم يستخدم عقله الرياضي للتقرب منها بل عزف لها مقطوعة على الكمان. تغلب الفنان فيه على العالِم. ساعدته مليفا في أبحاثه الأولى حول نظرية النسبية، دون أن تهمل أبحاثها الخاصة. أراد أن يقترن بها لكن والده رفض مباركة الزواج، حتى بعد أن صارت لهما طفلة. لم يرضخ الأب إلا وهو على فراش الموت.
نادى آينشتاين بالسلم واحتقر الحروب. كتب أنه يكره الجيوش ويعتبرها سرطان الحضارة. دعا الشباب إلى رفض الخدمة العسكرية. قال إن الجندي لا يحتاج دماغاً لأنه يكتفي بالعمود الشوكي. لم يكن متديناً واعتنق العلم منذ يفاعته لكنه دفع ثمن انتمائه اليهودي وتشرد بعد صعود هتلر وهيمنة الفكر النازي. هل كان صهيونياً؟ نعم. وفي 1922 رافق حاييم وايزمان إلى أميركا لجمع التبرعات للحركة الصهيونية. سافر إلى فلسطين لحضور افتتاح الجامعة العبرية في القدس. أرادوه أن يبقى هناك فكتب في مفكرته أن قلبه يقول نعم وعقله يقول لا. ولما عرض عليه بن غوريون أن يكون رئيساً لإسرائيل، رفض العرض وقدّم مجموعة اقتراحات طوباوية للتعايش بين العرب واليهود.
في مسقط رأسه بمدينة أولم الألمانية، ينتصب تمثال له قريب من البيت الذي نشأ فيه. اعتمد النحات على الصورة التي يمدّ فيها آينشتاين لسانه خارج فمه.
وصاحبها هو آرثر ساس، مصور تخصص في تصوير الحيوانات. كان يقف مع زملائه خارج نادي جامعة برنستون الأميركية، بينما يقام في الداخل احتفال ببلوغ آينشتاين الثانية والسبعين. خرج المحتفى به من الحفل ووجد الصحافيين والمصورين يزاحمونه ويعرقلون مروره نحو السيارة التي تنتظره. تلبّست المحتفى به روح الطفل فأخرج لهم لسانه. وكان ساس هو الوحيد الذي اقتنص اللحظة. بفضلها دخل قائمة الصور الفوتوغرافية الأشهر في القرن العشرين. كان ذلك في 14 مارس (آذار) 1951. وفي 2009 بيعت نسخة أصلية منها بأكثر من 74 ألف دولار.
ما علاقة آينشتاين بجهاز الاستدلال على العناوين، في السيارة أو في الهاتف الذكي؟ يقولون إنه التطبيق الأكثر انتشاراً لنظرية النسبية. يغطي 32 قمراً صناعياً كامل مساحة الأرض. تدور حولها وتقوم بحساب مئات الملايين من المواقع على الأرض، كل يوم. وإذا فهمت الأمر جيداً فإن كل هذه الأحجية وعلاقتها بقانون الجاذبية، ما كانت ممكنة لولا النظرية التي توصل إليها صاحب اللسان المشاغب الذي أوصى بحرق جثمانه ونثر رماده في مكان مجهول. مات آينشتاين في ربيع 1955 ونفذت عائلته الوصية باستثناء دماغه وعينيه. استؤصل الدماغ وجرى تجميده. وفي 2013 عكف عليه باحثون عن أسرار العبقرية ووجدوا ارتباطاً وثيقاً بين فصّيه، مما يفسّر مستوى عالياً من الذكاء. أما العينان فقد احتفظ بهما طبيب العيون.
جريدة الشرق الاوسط