في محل لبيع التذكارات في مدينة نائية، استوقفني تذكار هو عبارة عن مجسم برونزي صغير لبومة تضع أمامها كتاباً مفتوحاً ومن حولها أطفالها الصغار، ينظرون في الكتاب نفسه، فيما بدا لي أنهم يستمعون للأم وهي تقرأ لهم قصة من الكتاب، لنفترض أنها قصة ما قبل النوم.
اخترت هذا التذكار بالذات من بين معروضات المحل الكثيرة، لأنه بدا لي ملائماً تماماً للفكرة الشائعة عن حكمة البوم، فلعل الفنان الذي صممه أراد الإيحاء لنا بأن البومة الأم كانت تنقل الحكمة لأطفالها الصغار، وكان الفنان محقاً في أن يضع بين يدي الأم كتاباً، فالكتب هي حاملة الحكمة وناقلتها، بالنتيجة.
نعلم جميعاً أنه ما من طائر حظي بالاحتفاء به كالبوم، فمنذ آلاف السنين جرى النظر إليه كرمز للحكمة، ويقال إن آلهة الحكمة الإغريقية «أثينا» تحمله دائماً على كتفها، فأصبحت صورة البوم هي صورة الحكيم الواعظ الذي يتمتع ببعد نظر وذكاء.
يعزى هذا إلى قدرات خاصة حبا الله البوم بها بسبب تطور حاستي السمع والبصر لديه، حيث يقول المختصون إن عيون البوم الواسعة والفريدة توفر له رؤية ليلية جيدة تمكنه من اقتناص فرائسه، كما أن ريشه الناعم يسمح له بطيران صامت فلا ينكشف أمره، حيث يُخفي ريشه صوت الحفيف الذي تحدثه الطيور في طيرانها عادة، ما يتيح له مباغتة فرائسه دون أن تنتبه له.
لكن ما يستوقفنا في أمر هذا الطائر هو اختلاف نظرة الشعوب تجاهه حد التناقض، ما يرينا كم في هذا العالم من تنوع في الاعتقادات، فليست جميعها تعتبره طائراً حكيماً وذكياً، فبينما تدعو عيناه الواسعتان إلى حمل بعض الشعوب على اعتباره جميلاً، فإن شعوباً أخرى تراه طائراً بشع الملامح ونذير شؤم. كانت جداتنا وأمهاتنا حين يردن هجاء أحد ما يقلن: وجهه وجه بومة، دلالة على القبح. وفي حضارة عريقة ومهمة كالحضارة الهندية فإن صورة البوم تقترن بالحماقة والثروة الضائعة وليس الحكمة.
لكن تظل الصورة الطاغية له هي تلك المتوارثة من حضارة أثينا التي لم تكتف بربطه بالحكمة، وإنما أيضاً صوّرته المؤلفات الأدبية اليونانية بطائر الفنون، وحتى اليوم تحضر البومة في الأدب، كما بالفن، بهذا المعنى، وأشير هنا إلى ولع الفنانة اللبنانية ماجدة نصر الدين اللافت بتصوير البومة في شغلها الفني، حيث تحضر على شكل «بورتريهات» حيناً، وحيناً آخر تكون تفصيلاً من تفاصيل عمل متكامل.
جريدة الخليج