كان المهاتما غاندي ( 1869 – 1948) الذي يعده الهنود أباً للأمة الهندية، شديد التأثر بأفكار الكاتب الروسي ليو تولستوي (1828 – 1910). وهناك مراسلات مهمة جرت بين الرجلين، سنقف عندها يوماً، تمّت أساساً في فترة إقامة غاندي في جنوب إفريقيا، حيث عمل هناك محامياً مغترباً عشرين عاماً، في الفترة التي كان خلالها المجتمع الهندي يناضل من أجل الحقوق المدنية.
دارسو سيرة غاندي يقولون إن تأثره بأدب تولستوي كان له أكبر الأثر في تبنيه فكرة النضال السلمي من أجل استقلال بلاده ونبذ استخدام العنف طريقاً، مثلما أخذ فكرة العصيان المدني عن الكاتب الأمريكي دافيد تورو، على ما روى حفيد غاندي.
في جنوب إفريقيا ليس بعيداً عن جوهانسبرج، أسّس غاندي مدرسة لتعليم الفتيان، أسماها مزرعة تولستوي، وفي هذا مغزى ورسالة، وأفرد في مذكراته التي نشرها مستر اندروز فصلاً للحديث عن هذه المدرسة، أو بالأحرى عن فلسفة التربية التي حرص غاندي على أن تكون منهجاً لها.
تهتم هذه الفلسفة بما دعاه غاندي «تثقيف الروح»، الذي هو في رأيه مهمة أشقّ بكثير من تربية الفتيان البدنية، وإذا كانت هذه الأخيرة لن تتم إلا عن طريق تمرين الجسم، وأن التثقيف العقلي لن يتمّ إلا عن طريق تدريب العقل، فإن تثقيف الروح لن يتم إلا بالتدريب الروحي، وهذا يتوقف أكثرهُ على حياة المعلم، وأخلاقه.
في هذا السياق، يحكي غاندي عن تجربته مع أحد التلاميذ الذي وصفه ب«وحشي الطبع»، «لا يخضع لنظام، كثير الكذب والخصام»، وذات مرة بلغ غضب غاندي من سلوكه مبلغه فهاجت أعصابه، فلم يطق صبراً، وأمسك مسطرة كانت قريبة منه وضربه على ذراعه.
كان بوسع التلميذ «وحشي الطبع» أن يكيل لمعلمه ما كاله له، وأزيد، فهو حسب وصف غاندي «ولد مستوي الجسم، قوي الأعصاب في السابعة عشرة من عمره»، ولكن الذي حدث أدهش غاندي، فقد صاح الولد مقدراً الألم الذي شعر به غاندي، لا هو، بعد أن ضربه بالمسطرة، وأخذ التلميذ يسأل أستاذه الصفح والمغفرة.
الحكاية لا تنتهي هنا.
نسي الولد الحادث بسرعة، أما غاندي فظلّ مسكوناً بالحيرة: هل كان مُحقاً، أم مخطئاً، حين ضرب التلميذ؟ مرجحاً أن ذلك كان مسلكاً غير قويم، حتى لو كان العقاب مجرد تعبير عن ضيق صدره، وغمّه. أخشى ما ظلّ غاندي يخشاه هو، وبكلماته: «أن أكون قد كشفتُ له عن وحشيتي الكامنة لا عن روحي الشفيفة الوديعة».
جريدة الخليج