لا أعلم إذا كانت مجلة «أدب ونقد» المصرية مستمرة في الصدور أم لا. ما علمته، قبل سنوات، من رئيسة تحريرها الأديبة فريدة النقّاش، أن المجلة كانت تعاني صعوبات مالية جدية، تهدد بتوقفها، شأنها في ذلك شأن مجلات ودوريات ثقافية أخرى انتهى الأمر بها إلى التوقف، حتى أن الأمر طال دوريات تصدرها وزارات الثقافة نفسها.
في قوام هيئة تحرير «أدب ونقد» كانت أسماء أدبية وثقافية مهمة في مصر، بينها إبراهيم أصلان، طلعت الشايب، جرجس شكري، علي عوض الله كرّار، علي مبروك والراحل حلمي سالم وآخرون لا يقلون أهمية ومكانة أدبيتين، ما هيأها لأن تكون مجلة رصينة في مجالها، رغم شح الإمكانيات المادية.
لكني أتحدث هنا عن المجلة نفسها على سبيل التذكير بها وبدورها، أما ما أريد الوقوف عنده فهو عنوان أحد أبوابها الثابتة، والذي اخترته أيضاً عنواناً لهذا المقال: «الشارع الثقافي».
خُصص هذا الباب لتغطية أخبار الأنشطة الثقافية والفنية والفكرية في مصر في الفترات الفاصلة بين عدد وآخر، حيث يحرص محررو الباب على تقديم ما يشبه «البانوراما» الثقافية للفترة موضوع التغطية، وهكذا نجد أخبار أمسيات شعرية ومؤتمرات نقدية وفكرية، ومعارض فنية وأنشطة مسرحية وموسيقية.. الخ، ولنا أن نتخيل سعة وثراء مثل هذه الأنشطة في بلد بحجم مصر وعراقة وغنى الثقافة والفن فيه.
لكن تسمية الباب تستوقفنا فعلاً، لأنها في الظاهر تجمع بين ما ينظر إليهما عادة كنقيضين: الشارع والثقافة، فالقار في الأذهان أن الأخيرة، أي الثقافة، هي فعل نخبوي خاص بالمهتمين والمتابعين، فيما النظرة إلى الأول، أي الشارع، نقيضة، لدرجة قد يبلغ الأمر مع البعض للمماهاة بينه وبين السطحية والضحالة، حتى أنه جرت العادة على التفريق بين كلامين: كلام المثقفين وكلام الشوارع، وما أكثر ما يطلق التعبير الأخير من باب الازدراء أو الحطّ من شأن أصحابه.
أيكون محررو المجلة أرادوا كسر هذه الثنائية التي قد تكون بغيضة، للقول بأن للثقافة شارعها العريض، الفسيح، الممتد، وأنها ليست دائماً أسيرة الصالونات الأدبية والقاعات المغلقة على أصحابها المحدودين، وإنما بوسعها أن تتمرد على القطيعة بينها والشارع، فتنزل إليه وتستنشق هواء الحياة الذي يدب فيه؟ أيكون في التسمية تمرد على نخبوية الثقافة وعزلتها ومحدودية تأثيرها، برغبة أن تمنح فرصة القول والتأثير المنشودين، كي ترتقي بذائقة الجمهور ووعيه، وتُعوّده على أن يجد في الثقافة ما هو جدير باهتمامه ومتعته؟ –