يؤكد مؤشر إيإف لكفاءة اللغة الإنكليزية، الذي نشرته مؤخرا مؤسسة “إي.إف إديوكيشن فيرست” في زيورخ، الحالة المؤسفة في المنطقة العربية حيث تم تصنيفها على أنها المنطقة الأقل كفاءة في اللغة الإنكليزية بين جميع مناطق العالم.
ولم يصنف المسح، الذي يجمع آراء 1.3 مليون متحدث للغة الإنكليزية من غير أبنائها من 88 دولة أو منطقة، أي دولة عربية من بين أعلى 30 دولة. وكانت الدولة العربية الوحيدة التي حققت تصنيفا مقبولا تقريبا هي لبنان، والتي حلت في المرتبة رقم 33، بمستوى كفاءة “متوسط”.
وتنوعت تصنيفات الدول العربية الأخرى ما بين “متدن” و”متدن جدا”. وهي حالة مؤسفة تشرح وتقضي بأن العالم العربي يتخلف في ما يتعلق بالترابط مع باقي العالم، والانخراط في الاقتصاد العالمي، والإبداع التكنولوجي، وحتى في التقدم الاجتماعي.
وتوجد خمس دول عربية من بين الدول الأقل تصنيفا. وهناك دولتان من بين هذه الدول تحتلان قاع التصنيف. وهاتان الدولتان هما ليبيا والعراق الغنيتان بالنفط. ويعد البلدان مثالا صارخا على كيف أدت عقود من الصراع، وعدم الاستقرار، والسياسات غير الملائمة إلى منع حدوث تقدم تعليمي وتدريب لغة جاد.
وفي ليبيا، تعاني الكثير من الأجيال من عواقب الشك الممزوج بجنون العظمة في اللغات الأجنبية الذي كان يعاني منه رجل ليبيا القوي السابق معمر القذافي. وأدت سبع سنوات من الصراع والنزوح منذ الإطاحة بالنظام الليبي إلى منع إعادة بناء أنظمة اقتصادية اجتماعية وأنظمة تعليمية.
وفي العراق، أدت طرق تدريس اللغة الأجنبية، والتي عادة ما كانت هي نفس الطرق التي كانت تُستخدم في خمسينات القرن الماضي، إلى فشل ذريع وأدت إلى عقود من الحرب والصراع الباقي.
وفي أماكن أخرى كثيرة، مثل سوريا واليمن، فإن الحرب والنزوح ومعدلات التسرّب الدراسي المرتفعة أعاقت دراسة المراهقين العرب.
وتعد أوجه القصور في تدريس اللغة الإنكليزية جزءا من المشكلة الأكبر للأنظمة التعليمية التي تحتاج إلى إصلاحات مستميتة في معظم أنحاء العالم العربي. وتوضح الدراسات الحديثة أن عودة الأمّية تدق ناقوس الخطر.
ويشير تقرير “إديوكيشن فيرست” إلى أنه من غير المثير للدهشة أن الافتقار إلى كفاءة اللغة الإنكليزية واضح في شريحة عمرية محددة بين الشباب العرب: “تقع جميع المجموعات العمرية تحت المعدلات العالمية، لكن الفئات العمرية المتخلفة كثيرا هي للأسف أيضا الأكبر وهم البالغون الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و20 عاما”.
وتعد هذه الفجوة انعكاسا لا يمكن تجنبه لعدم كفاية التدريب على اللغة الإنكليزية في مستويات الدراسة الابتدائية والثانوية.
وهذا النوع من التدريب غير الكافي يُعد بصورة سيئة خريجي مدارس ثانوية لمتطلبات التدريس باللغة الإنكليزية السائدة في معظم الجامعات في الشرق الأوسط. وبالنسبة لأولئك الذين يدرسون في الخارج، فإن التحدي أكبر لأن الطلاب العرب لم يتم إعدادهم للتواصل واستخدام البحث باللغة الإنكليزية.
ويمكن لأوجه القصور في التدريب الجامعي أن تؤدي فقط إلى تراكم عدم التكافؤ المزمن بين الأنظمة التعليمية وسوق العمل الذي أصبحت فيه اللغة الإنكليزية مهارة مطلوبة بصورة كبيرة. وتعوق المشكلة توظيف خريجين من الشباب العرب يبحثون عن عمل في بلادهم أو في الخارج في سوق العمل العالمي بصورة كبيرة اليوم. كما أنها تحرم الأنظمة الاقتصادية التي تسعى لاجتذاب مستثمرين ورجال أعمال وسائحين أجانب ذوي إمكانيات ضخمة.
وفي بلدان المغرب العربي، فإن كفاءة اللغة الإنكليزية يعوقها وضعها كلغة ثالثة.
وتُدرك العائلات في المنطقة بصورة متزايدة الآثار السلبية على أطفالها جراء عدم كفاءتهم في اللغة الأجنبية. وبالتالي، تحاول تعليم أبنائها في مدارس خاصة، لكن مثل المدارس الخاصة مكلفة ومن ثم لا يمكن للغالبية العظمى من الطلاب الدراسة فيها. وحتى خريجي التعليم العام غالبا ما ينتهي بهم الحال بالحصول على دورات تدريبية تعويضية، وخاصة إذا ما كانوا يفكرون في الهجرة.
ويمكن فقط لسياسات تم تصميمها وتنفيذها بصورة صحيحة في أنظمة التعليم العامة في العالم العربي أن تضمن التدريب الكافي للأعداد الكبيرة من الشبان والشابات الذين يتخرجون سنويا.
كما أنه من غير المقبول أن يظل الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة في العالم التي بها معدلات كفاءة الرجال في اللغة الإنكليزية أفضل من النساء. وعلى الرغم من معدلات تعليمهن العالية في الجامعات، فإن الشابات لا يبدين حماسا كافيا للانخراط في العالم الخارجي من خلال اللغات الأجنبية.
وسيتطلب تحسين معايير اللغة الإنكليزية للجنسين، وبخاصة الشابات، وعيا اجتماعيا أفضل ودعما لمعدلات كفاءة محسنة حيث لا ينشأ الشباب العرب في بيئات اجتماعية تضع قيمة عالية على الكفاءة في اللغة الإنكليزية. وربما يواجهون بيئات محافظة ثقافية يُنظر فيها إلى اللغة الإنكليزية أو أي لغة أجنبية على أنها ذات تأثير أجنبي إن لم تكن تمثل تهديدا للهوية.
وتبديد مثل هذه الأفكار المثبطة ينبغي أن يكون جزءا من عملية التحديث الاقتصادي في المنطقة. والتحدث باللغة الإنكليزية وبصورة جيدة هو أحد متطلبات هذه العملية.
إن الافتقار إلى الكفاءة في اللغة الإنكليزية يحرم المنطقة العربية من تقريب مهم بباقي أنحاء العالم. ولا يوجد أمل لتفاهم أفضل لحقائق المنطقة إذا كانت رسائلها تضيع دائما في الترجمة.
صحيفة العرب