كانوا مثل الصقور المتأهبة والمتوثبة. يترصدون ويتناقرون ويتنافسون: جميعاً على شجرة واحدة. وكانوا في الغضب يتصارخون ويفردون أجنحتهم مهددين، وقد احمرت عيونهم من نار الانقضاض.
عباس محمود العقاد يحاول تفتيت أحمد شوقي، ومصطفى صادق الرافعي ينقض على طه حسين. وطه حسين يسخف العقاد. وإبراهيم المازني ينقد مصطفى لطفي المنفلوطي.
قاد الحملة على طه حسين و«الشعر الجاهلي» اثنان: الرافعي والأمير شكيب أرسلان. ثم انضم إليهما سائر الرهط الأدبي. وقيل – فيما قيل – إن الرافعي بدأ الحملة على طه حسين لأنه كان يريد كرسيه في الجامعة. ثم قيل إن هذا الكرسي كان سبب الخلاف بين طه وزكي مبارك.
والواقع أن الأسباب الشخصية كانت حاضرة أحياناً. أو الأسباب العاطفية الأخرى. فالعقاد كان يكره أمير الشعراء بسبب قربه من القصر الملكي، في حين كان هو متحمساً لحزب الوفد، وله كتاب شهير عن سعد زغلول.
انضم إلى العقاد في هجاء شوقي، إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري، ثم اختلفا وراحا يهاجم كل منهما الآخر. وقال المحايدون إن نقد الكبار سببه طلب الشهرة السريعة. فكلما كان هدفك عالياً، كان الاهتمام بك أضمن.
ولعل الشاعر أمين نخلة كان يفكر في ذلك، عندما أجاب عن سؤال طرحه عليه قارئ كويتي، عن رأيه في جبران خليل جبران، حيث قال: «إن رأيي في جبران لا يرضي خاطرك ولا خاطر المتأدبين الناشئين، وحسبك مني الآن أن أذكر لك أن الرجل كاتب لطيف التفكير، لطيف الخيال، لطيف الحاشية، إلا أنه لا يمت إلى بيان العرب بسبب متين».
رحم الله الأمين. أما هو فكان يمت إلى بيان العرب بأمتن الأسباب؛ لكنه لا يمت إلى فكرهم وشاعريتهم وألقهم بكثير منها. ولذلك، لم يحفظ من نثره سوى الصياغة، ومن شعره سوى الصناعة. وطالما أعطى لنفسه الحق في تصغير سواه من الأدباء، وأحياناً إطلاق رصاصة الرحمة عليهم، كمثل قوله في أحدهم مرة: «لم يتصل بي، إنه شاعر».
بل ذهب إلى الادعاء بأن أحمد شوقي عينه خلفاً له في إمارة الشعر، قائلاً: «هذا ولي لعهدي، وأمير الشعر بعدي». وقيل إن هذا البيت كُتب بعد وفاة شوقي بزمن. وبخط يد الأمين. وبما يسرُّ خاطره!
جريدة الشرق الاوسط