من بوسعه «النجاة» بنفسه من الآثار الساحرة التي تركتها المقدمات والنهايات الموسيقية لأعمال درامية خالدة قدّمها التلفزيون في مراحل سابقة، كتب كلماتها شعراء شفّافون وصادقون، ولحنها موسيقيون مشهود لهم بالبراعة والإتقان، وأديت بأصوات لا تنسى.
يشبّه الدارسون كلمات وموسيقى هذه المقدمات والخواتم بعناوين الكتب وبفهرس محتوياتها أو الكلمات التعريفية التي تدوّن على أغلفتها الخلفية، ومثلما تشدّنا للكتب عناوينها والجمل التعريفية بمحتوياتها، تشدّنا هذه المقدمات والخواتم إلى الأعمال الدرامية التي تفتتح بها، ومثلما لا يخيب ظننا في الكثير من الكتب التي خطفت عناوينها اهتمامنا، لا يخيب ظننا في الأعمال الدرامية التي تخطفنا مقدماتها إلى أجوائها.
كيف لنا أن ننسى ما افتتحت واختتمت به كل حلقات مسلسلات مثل «ليالي الحلمية»، التي كتب كلماتها الشاعر العذب سيّد حجاب، ولحنها الموسيقي ميشيل المصري، ومثل «رأفت الهجّان» التي وضع موسيقاها الفنان عمّار الشريعي.
هذه الأسئلة تفسر لنا كيف لم تتسع مقاعد الصالة الثقافية في البحرين للجمهور الذي أتاها في أمسية ثالث أيام عيد الأضحى لحضور حفل فرقة البحرين الموسيقية بقيادة المايسترو خليفة زيمان، أحد أبرز الوجوه الموسيقية في البلاد، بعنوان: «ذاكرة التلفزيون» والذي قدّمت فيه المقدمات والخواتم الموسيقية والغنائية لمجموعة من أشهر الأعمال الدرامية البحرينية، والعربية أيضاً، بما فيها المسلسلان المشار إليهما أعلاه.
منظمو الحفل أنفسهم فوجئوا بالحضور الذي فاق التوقعات، كأن الناس لم يأتوا ليستمعوا إلى «ذاكرة التلفزيون»، وإنما إلى الذاكرة الجمعية لأجيال حفظت كلمات وألحان تلك المقدمات عن ظهر قلب، ولعّل كل واحد من الحضور أتى ليستعيد ذاكرته الفردية، في الموسيقى والكلمات التي انطبعت في قاع تلك الذاكرة ولن تغادرها أبداً طالما هو حي.
من الأعمال التي اختارتها الفرقة وقائدها المسلسلات التلفزيونية البحرينية التالية، والتي أحبّها الجمهور في البحرين وبلدان الخليج وتعلّق بها: «نيران»، «حزاوي الدار»، «أولاد بوجاسم»، «البيت العود»، «ملتقى الأويايد»، «سعدون».
كتب كلمات غالبية هذه الأعمال المبدع علي الشرقاوي، منّ الله عليه بالصحة، ولحنها فنانون معروفون أبرزهم خالد الشيخ الذي أدى بصوته الكثير من كلماتها.
لا يمكن أن يخطئ البصر والبصيرة آثار الشجن الذي يدبّ في نفوسنا حين نعود إلى زمن تلك المسلسلات. الشجن الآتي، حسب سيّد حجاب في مقدمة «ليالي الحلمية»: «من انكسار الروح في دوح الوطن/ من احتضار الشوق في سجن البدن»، ليحملنا على السؤال المحيّر: «ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء/ وواخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع؟».
جريدة الخليج