ربما يعطينا موضوع الزواج أخصب ميدان للحكايات والأغنيات والأقوال والأمثال، لا سيما في صدد النصيب والحظ الذي يلعب دوره فيه. لا تفتح موسوعات الأمثال في هذا الموضوع إلا ووجدت أمامك صفحات لا أول لها ولا نهاية. وهذا ما شعرت به وأنا أقلب المصادر في هذا الموضوع، حتى ضقت ذرعاً بها، فدفعتها ساخطاً. يعني الزواج ما يكفي حتى نغرق بتراثياته وأدبياته!
المصيبة في أمر الزواج أننا نحمله الكثير وننتظر منه الجزيل. نعتبره حلّال المشكلات، ونجد فيه وسيلة للسعادة وإنجاب الأطفال وبناء البيت وكسب الثروة والحصول على المناصب والانتساب لذوي الجاه والنفوذ، ثم نسبُّ الزواج عندما يخيبنا في ذلك.
وهذا ما حصل للرجل الذي قال: «زوجت بنتي عناها، راحت وجابت لي وراها». وقصته أنه أصغى لأهل الشام في قولهم: «شايب يدللني ولا شاب يبهدلني». فراح الرجل وزوّج ابنته لشيخ مسن ما فتئ غير أن مات فعادت البنت إلى أبيها ووراءها شلة من الأطفال.
الخيبة من الزواج موضوع يتردد في الكثير من الأمثال، فاللبنانيون يقولون «تجوزنا لنستريح، حملنا المنجل والشطيح». وهذا ما عبر عنه ابن النيل في قوله «قلت نتزوج نتهنى، لقيت العازب في جنة».
لا شك أن موضوع هذه الأمثال يتجاوز في حكمته مجرد الخيبة بالزواج، ويتعداها إلى طموحات الإنسان عموماً: «يا مدور عالفايدة، جتك الخسارة زايدة»، يقول أهل الشام، ويؤيدهم في ذلك التوانسة فيقولون بلهجة ساخرة ظريفة «جا يريد يربح صاده أبو ربيح».
ويقولون في المملكة العربية السعودية: «بغاها طبة وصارت طيحة»!
وهذا كله جزء من المصير التراجيدي للإنسان عبر القرون، وأقصد به خضوعه ليد القدر، الموضوع الذي أصبح الفكرة الأساسية للأدب الإغريقي، كما وردت على لسان الشاعر المسرحي يوربيدس في مسرحية «هكيوبا»: «الضرورة قاسية والقدر لا يعرف الرحمة». هذا تراث عالمي. فمن الإغريق إلى بلاد فارس نسمع الإيرانيين أيضاً يقولون في مداعبة حلوة: «إذا عاكسك الحظ فحتى المهلبي يكسر أسنانك».
ولنا أقوال لا حصر لها في هذا المسار، فـ«مكتوب الأزل لم يزل»، كما يقول إخواننا في السودان. وفي ليبيا تسمعهم يقولون «لا هروب عن المكتوب». وفي مصر يقولون: «اللي مكتوب عالجبين لازم تشوفه العين».
ويضع أبناء تونس الخضراء تأكيداً أقوى على الفكرة عندما يعطونها ويقولونها بهذه الصيغة الظريفة: «لو تهبط بير وتطلع بير، وتمشي على جناح الطير، إللي رايده الله لا بد ما يصير»! وفي كل ما أوردناه من التراث، نجد أن الحظ يلعب دوره في مصير الإنسان، ويلعب الزواج دوره في مسار الحظ.
جريدة الشرق الاوسط