كيف يكون ردّ فعلك لو وجدت نفسك وجهاً لوجه مع الثقافة العربية؟ أنت من أهيْل دماثة «الإيتيكيت»، فلن تزأر مستأسداً: «ولو برز الزمان إليّ شخصاً..لخضّب شعر مفرقه حسامي»، ولا أنت مثل ذلك القائل: «عندما أسمع كلمة ثقافة، أشهر مسدّسي». دعنا من السلام والسؤال عن الحال، ماذا عساك تقول لها؟ لو بادرتها مستفسراً لغنّت لك: «ماذا أقول له لو جاء يسألني»؟
الوقت ضيّق، فحاول التركيز على المحاور المهمّة. مثلاً: هل كان لها دور في جعل الناس، حتى المثقفين، يتوهمون أن لها وجوداً وكياناً مستقلين؟ لماذا يظنون أن الثقافة كتب ومكتبات وفنون وهات وهاك، منفصلة عن الحياة العامة؟ هل شكسبير غافل إلى حدّ تصور أن إعطاءه مسرحاً للعروض، يوجد بعصا سحرية شعباً عظيماً؟ هل غاية الكاتب المسرحيّ الذي يصهر فكره ومهجته في معاناة تحويل القضايا إلى إبداع، هي متعة ساعة العرض، وينتهي الأمر؟ اسألها أيضاً: هل نحن هامشيون نطنب في الحديث عن هبوط الإنتاج الفنيّ، ويغيب عنّا أن مرجعه إلى فقدان المفاهيم الحيوية للثقافة كميادين إبداع فاعل.
يقيناً لن تنسى هذا السؤال: ألا ترين، يا لا سيّدة ولا آنسة، أن الافتقار إلى جوهر مفهوم الثقافة، جعل المثقف العربي كالقرص الصلب؟ فله سعة تخزين جيّدة لدى عدد وفير ما شاء الله، لكن «الهارد ديسك» لا علاقة له بقضايا الحياة العامة، تطير البلدان، الأقاليم، العواصم ذات الرمزيّة العالية، يُهجّر الملايين أو يقتلون، سيظل المخزون لا صلة له بحياة الناس. أقرأ في عينيك هذا السؤال: هل عرفت يا هانم لماذا لم تستطع الصحافة الثقافية العربية لعب دورها الحقيقي منذ عقود؟ اهمسْ في أذنها حتى لا تستثيرها، إذا أيقنت أن سمعها غير ثقيل. العلّة علّتان، الأولى أن عصر صحافة التجميع ولّى، الأخرى التي هي وقاية وعلاج للأولى، هي طرح القضايا. الثقافة لا يمكن أن تنفصل عن شؤون الحياة، ولكن من زاوية الهموم الثقافية.
لزوم ما يلزم: النتيجة البديهية: لكي تكون الثقافة حيّة، يجب أن تظلّ في صميم الحياة.
جريدة الخليج