بعض المخرجين العرب ولا أريد أن أقلل من شأنهم حاولوا أن يستنسخوا قصة العوائل الخمس المتصارعة في العراب وذهبوا إلى تعريبها في اللهجات الدارجة لبلدانهم وتمادوا في تقليد الممثلين في العراب بطريقة فجة ومكررة مكشوفة لعين الناقد.
ما الذي أنجزه فرانسس كابولا مخرج فيلم العراب في ملحمة سينمائية تصدرت أفلام العصابات لأكثر من سبعة وثلاثين سنة مضت ليظل “العراب” ثاني أهم عمل في تاريخ السينما الأميركية بعد فيلم “المواطن كين”، وتأثيره الطاغي بعد كل تلك الحقبة على المخرجين والمؤلفين العرب وسواهم ممن اتخذوا من هذا الفيلم الملحمة “كايد” لهم في التأليف والإخراج، ليس في الأعمال السينمائية بل التلفزيونية أيضا، عشرات الأفلام التي أنتجت منذ إطلاق العراب العام 1972، هناك من يلهث وراء تصميم موضوع حكاية فيلمه ومحاولة تدوير إخراجها على أساس ذلك الفيلم الأكثر شهرة وربحا في الوقت نفسه، فقد تفنن كابولا في تصميم مشاهد فيلمه حتى أفرط في روعة تصوير حياة رجال العصابات وحكايات كل واحد فيهم لتكون لعنة على فنانين كثر، وهم يحذون حذوه لعلهم يلطشون مشهدا أو حكاية مؤثرة تتضمنها أفلامهم دون أن يعرفوا أن قولة “التقليد خير وسيلة مديح” لا تصلح دوما لصناعة الأعمال الفنية الكبرى، لأن الأصل يصبح ماركة مسجلة من الصعب تجاوزها، وظاهرة سلق الأعمال الفنية والسينمائية لا تنتج غير فن مقلد، صنعة “لواحيك” ليسوا أصلاء، لكنهم يظنون أن العقل البشري الجميل قد يكرر، كما فعلوا استنساخ عقل كابولا عبثا، محاولين استعارة مخيلته الفذة التي لن تتكرر، كونها وليدة خبرة ودراية وعمق في تحليل المشاهد والشخوص، واستيحاء الشخصيات التي استخدمها والأدوار التي صنعها مع نخبة فريدة من النجوم كمارلون براندو، وأل باتشينو، وجيمس كال، وسواهم من المؤدين الأفذاذ الذين تمكنوا من الإخلاص للرواية ولأنفسهم في تحويلها إلى فيلم ملحمي نال ثلاث جوائز أوسكار حينها.
بعض المخرجين العرب ولا أريد أن أقلل من شأنهم حاولوا أن يستنسخوا قصة العوائل الخمس المتصارعة في العراب وذهبوا إلى تعريبها في اللهجات الدارجة لبلدانهم وتمادوا في تقليد الممثلين في العراب بطريقة فجة ومكررة مكشوفة لعين الناقد، بدعوى أنه فكر إنساني، دون أن يعوا بأن السينما والتمثيل لا ينالان الجوائز وتقدير المتلقين دون عنصر الجدة والابتكار والإبداع في التجسيد، كما فعل كوبولا الذي مات من زمن بعيد، وترك إرثا لا ينسى، لكن عينه ظلت على “المواطن كين” الذي أخرجه أورسن ويلز عام 1941، الذي يصنف الأول وفيلمه الثاني.
كونوا في المرتبة التي تستحقون أيها المخرجون العرب دون سرقة جهود العراب وسواه.
جريدة العرب