أمتعني حديث متلفز سبق بثه على قناة «المدى» العراقية، عن علاقة أهالي بغداد بالورد، بما في ذلك حضور مفردة الورد على ألسنتهم، في أحاديثهم اليومية بلهجتهم المحببة، في أمثلتهم الشعبية، وفي أشعارهم، وبالطبع في الأغنيات العراقية الجميلة.
إذا سألت عن أحوال أحدهم، سيجيبك بأنها ورد؛ أي على ما يرام. لا تجد معلمة أرادت الثناء على تلميذها المجتهد الذي أجاد كتابة الواجب المدرسي، سوى أن تكتب في كراسته: أحسنت يا وردة.
وحسب مقدم البرنامج، فإن «أفندية» بغداد في عقود القرن العشرين الأولى، حرصوا على وضع زهرة على صدر «بذلاتهم». وبالمناسبة فإن هذا تقليد عُرف به أحد رؤساء وزراء لبنان الراحلين، صائب سلام، الذي ظل حتى رحيله متمسكاً بوضع قرنفلة على صدره.
من أجمل الأغاني العراقية عن الورد، الأغنية الخالدة لحضيري بوعزيز: «عمي يا بيّاع الورد». وبحثت عن اسم كاتب الكلمات العذبة لهذه الأغنية فلم أوفق، حيث تجري إحالتها إلى التراث العراقي القديم، وتكاد هذه الأغنية تكثف دلالات الورد في الحياة، فالورد هنا ليس هو فقط الورد الذي نعرفه في المشاتل والمزهريات ومحلات بيع الورود، ففي هذه المفردة يتكثّف كل ما، ومَن نحب.
تُحذر كلمات الأغنية من الدوس على الورد: «بالك تدوس على الورد»، وإن فعلت فإن الله سيحاسبك يوم الحساب، فما عساك قائلاً له على ما اقترفته رجلاك: «باجر يصير احساب يبه/ لله شتقله»، خاصة أن من رعى هذا الورد بالعناية حتى أزهر، ذاق العناء.
فلنسمع هذا المقطع: «والمُرّ يا هالمخلوق ترى/ لأجله جَرَعته». وبما أنه ليست كل الورود بنفس الجمال والرائحة الزكية، فليس كل ما سُمي ورداً هو ورد: «مو كل ورد سمّوه ورد/ والريحة طيبه/ يصير ورد مو خوش ورد/ راسك يشيبه»، فإن الورد الذي تتحدث عنه كلمات الأغنية مختلف؛ إنه بالتعبير العراقي الجميل «خوش ورد»، زَرعته يدان حانيتان وارتوى بمياه دجلة والفرات. «وردٍ زَرَعته خوش ورد/ بإيدي زرعته/ من دجله والفرات يبه… ماي أنا جبته».
صديقنا الشاعر إبراهيم بوهندي، استغاث من الورد بالورد فقال: «سيدي الورد قُتلنا في هواك، ما الذي يبعثنا حباً سواك، هاتَ ما فيكَ من الحب، هات عمراً أنت فيه المحتوى».
أما سبب وجود الورد حسب صديقنا يوسف أبو لوز فهو «أن الحديقة وقت الضحى تتثاءب قبل زيارة عشاقها، فتقومُ الورود».
جريدة الخليج