لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، لم تسند الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب هذا العام، لأنها، كما يعلم الجميع، منشغلة بغسيل لم تفلح في التستر على قذارته داخل أروقتها، بعد أن انتشرت الفضيحة منذ شهر أبريل الماضي وصارت حديث وسائل الإعلام، ووصلت حتى إلى القصر الملكي. والفضيحة سببها الفرنسي جان كلود أرنو، زوج عضو باللجنة هي الشاعرة والأكاديمية كتارينا فروستنسن. هذا الرجل، الذي استقر في السويد منذ سبعينات القرن الماضي، اتهمه عدد غير قليل من النساء بالتحرش، وحتى الاغتصاب، في الفترة الممتدة بين عامي 1996 و2017، مثلما اتهمته أطراف أخرى بتضارب المصالح، وإفشاء مداولات لجنة نوبل، وتسريب أسماء الفائزين قبل الإعلان عنها.
ولئن فسرت الأكاديمية إرجاء إسناد الجائزة إلى العام المقبل بأنه ناتج عن “أزمة ثقة”، فإن المسألة أعمق من ذلك بكثير، وحسبنا أن نراجع ما كتب في وسائل الإعلام الغربية عن الأساليب المتبعة داخل اللجنة لاختيار الفائزين، واحتكامها لأمزجة أعضائها البارزين لفرض هذا الاسم أو ذاك لأسباب لا صلة لها بالمنجز الأدبي، وعدم الاطلاع على آداب بعض الأمم إلا من خلال ما يترجم إلى الإنكليزية أو الفرنسية.
ما يمكن استخلاصه من هذا الحدث:
أولا، أن التحرش الجنسي لا علاقة له بالعِرق واللون والتحضر والهمجية، خلافا لما يدعيه بعضهم كما بيّنّا في مقالتنا السابقة، فالنفس التي جبلت على الدناءة لا لون لها، وهي لا تقيم وزنا لحرمة المرأة سواء كانت سافرة أو محجبة، في الطريق العام أو داخل مؤسسة عريقة.
ثانيا، أن أزمة الثقة ليست وليدة هذه الحادثة، فقد فقدت لجنة نوبل مصداقيتها منذ مدة، عندما اتضح أن لها خلفية أيديولوجية، إذ أجازت نكرات لمجرد وقوفهم ضد الإسلام مثل نايبول، أو عدائهم للاتحاد السوفييتي مثل جوزيف برودسكي، أو انشقاقهم عن النظام الصيني مثل غاو سنغجيان، وتجاهلت أسماء بارزة أمثال تولستوي، وتشيخوف، وإبسن، وسيلين، وعزرا باوند، وبريخت، وجورج أمادو، وبورخس، وفيليب روث، ويشار كمال، وروبرت موزيل، وشنوا أشيبي، وإيطالو كالفينو، ومحمود درويش…
ثالثا، أن اللجنة البديلة التي أسسها ثلة من المثقفين والمكتبيين لا تسدّ مسدّ الجائزة الأصلية، لا من جهة حضورها العالمي، ولا من جهة قيمتها المالية، ومن ثمّ رفض هاروكي موراكامي إدراج اسمه في قائمتها القصيرة مع الغوادلوبية ماريز كوندي، والبريطاني نيل غيمان، والفيتنامية كيم تيوي، لأنه يدرك ما سوف يخسر.
رابعا وأخيرا، أن قرار نوبل أراحنا، نحن العرب، من مظاهر جلد الذات الموسمية.
صحيفة العرب