تغص الكتب العربية وغير العربية بحكايات وطرائف كثيرة عن المجانين، ومحاولاتهم لإثبات صحتهم العقلية، طمعاً بالوصول إلى إذن خاص بإطلاق سراحهم من المصح العقلي. أشهر هذه المصحات في بريطانيا سجن برودمور، الذي يلقى فيه المجانين الخطرون والعنيفون. ذهبت لهذا السجن يوماً، لا كمجنون والحمد لله، وإنما لمساعدة مجنون عربي بات يعتقد أن الإنجليز هم الذين نصبوا النظام القائم في بلاده، فراح يعتدي على أي إنجليزي يصادفه في الطريق.
بينما كنت جالساً في غرفة الانتظار، تطوع أحد السجانين لملاطفتي، فروى لي الحكاية التالية:
تقدم أحد المجانين بعريضة لإطلاق سراحه، على اعتبار أنه شفي من جنونه، وأصبح عاقلاً. قدموه للفحص، فسأله رئيس اللجنة الطبية: ماذا ستفعل حالما تخرج من هذا السجن؟ قال سأذهب وأشتري مصيادة (منجنيق يدوي مطاطي صغير)، ثم أقف في الطريق وأرجم بالحجارة كل السيارات المارة، وأكسر زجاجها!
بالطبع، لو كنت أنا رئيس اللجنة لأطلقت سراحه فوراً، فما من شيء في رأيي أعقل من ذلك في كل زحام السيارات في الشارع. ولكن يبدو أن الرئيس كان مجنوناً هو نفسه، فرفض طلب الرجل، وأعاده للسجن حرصاً على السيارات.
مرت سنة على ذلك، وتقدم الرجل بطلب ثانٍ لإطلاق سراحه، فأحالوه على اللجنة، وسألوه السؤال نفسه: ماذا ستفعل عندما تخرج من هذا السجن؟ قال: سأذهب لمقابلة صديقتي سوزانة. تهللت أسارير رئيس اللجنة، إذ لمس في الجواب تقدماً في التفكير. قالوا: وماذا ستفعل عندما تلتقي بها؟ أجاب:
«سوف أهجم عليها، وأنتزع منها حزامها المطاطي».
قالوا: وماذا بعد ذلك؟
قال: سأصنع منه مصيادة قوية.
قالوا: وماذا بعد ذلك؟
قال: سأكسر بها زجاج كل سيارة تمر أمام بيتنا!
أعادوه بالطبع لزنزانته، وتكررت العملية عاماً بعد عام. من حق القارئ الكريم أن يسألني الآن لماذا أروي هذه الحكايات الجنونية؟ لقد ذكرني بها كل هؤلاء الإرهابيين من طراز «داعش» و«القاعدة» و«طالبان» و«الحوثيين» في الجنوب. يغيرون أساليبهم وادعاءاتهم، ولكن غرض التخريب وسفك دماء الناس يبقى كما هو بالنسبة لهم ولأصحابهم ومموليهم. يذكرني كل هؤلاء الإرهابيين بهذا النفر من المخبولين؛ يستعملون شتى الأساليب في تبرير تخبطهم الأعمى. هؤلاء نوع أو فصيلة من أخطر المختلين عقلياً.
كلما أسمع عن أخبارهم، أتذكر بهم كل هؤلاء المجانين ممن قدر لي أن أقابلهم، وأسمع حكاياتهم في هذا المصح العتيد: برودمور.
جريدة الشرق الاوسط