لا تكاد تخلو احتفالات سفارات الدولة في الخارج من عرض صور أو أفلام لتروي مسيرة الاتحاد منذ نشأته، وربما تكون هذه المواد التي تعكس حكايات قبل وبعد، هي الأكثر تأثيراً في المدعوين الذين لا تربطنا معهم علاقة تاريخية أو عرقية أو دينية، ولكن لغة الحاضر هي لغة المنطق؛ لأنهم يعجبون بحجم الإنجازات، ولكنهم منبهرون من الزمن الذي تحققت فيه كل هذه الإنجازات.
في إحدى هذه الاحتفالات استوقفني سؤال لأحد الحضور بعدما شاهد أحد الأفلام الوثائقية القديمة لبدوي يمشي في الرمال ممسكاً بلجام بعيره، حاملاً نعليه تحت إبطه، فسألني قائلاً: «لماذا لا يلبس نعليه؟» وأضاف قائلاً: «يبدو وكأن البدوي يستمتع بالمشي حافياً في الرمال» فأجبته: «ليس الأمر من باب المتعة، و لا أتصور بأنك قد جربت المشي حافياً في رمال صحرائنا في ظهيرة يوم صيفي، لا يا سيدي لم يكن مستمتعاً، ولكنه ضيق العيش آنذاك».
اتسعت حدقات عينيه عندما سمع إجابتي فرد قائلاً: «إياكم أن تنسوا هذه اللحظة، تلك هي جذوركم، ولقد اختصرتم الزمن لتصلوا إلى الحاضر الذي تعيشون فيه الآن».
إن سرعة الإنجاز هي جزء رئيسي من التجربة الإماراتية، تطورت هذه الثقافة لتصبح خلال نصف قرن نمطاً للحياة، فنحن نستمد مصداقيتنا من حاضرنا وهو التحدي الذي كسبناه، فترسخت فينا عقيدة أنه لا وقت أفضل من الآن للبدء، وإن كان هناك همس بأن الإنجاز سيأتي بعد سنوات ترانا نتحدث عن الشهور، وإن دار الحديث عن الأسابيع، نصرح نحن بالأيام.
في رسائل الموسم الجديد، رسخ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هذا المفهوم قائلاً: «نحن بحاجة إلى قفزات نختصر فيها الزمن».
إن هذا التوجيه يبدد كل شك بأن وتيرة التطور والإنجاز قد تصبح أبطأ من ذي قبل، وليس ذلك بخيار، والخمسون سنة الماضية هي مصدر ثقتنا.
يقول المؤلف الأمريكي هرفي مالي: «إن الوقت يأتيك بدون مقابل، ولكنه أغلى من أي ثمن، فأنت لا تملك الوقت ولكنك تستطيع أن تستخدمه، لا يمكنك الاحتفاظ به ولكنك يمكنك استغلاله، ومتى ما خسرت الوقت لا يمكنك استعادته».
والحديث عن الوقت يقودنا للحديث عن كيفية إدارة الوقت. و«إدارة الوقت» هي أحد المساقات الرئيسية في تخصص علم الإدارة في الجامعات الأمريكية، ويركز هذا المساق على كيفية التنظيم والتخطيط، وتحديد الوقت لكل هدف ولكل نشاط، ولعل مصطلح «deadline» متى ما تمت ترجمته حرفياً، يصف بدقة أهمية الإنجاز خلال الوقت المحدد.
«وإدارة الوقت» تجعلنا أذكى في ساعات العمل، فساعات العمل الطوال لا تعني بالضرورة زيادة الإنتاجية، فقد يكون الإنسان مشغولاً ولكنه ليس منتجاً.
رسائل الشيخ محمد، ليست بالأولى، فقبل 10 سنوات خلال افتتاح مترو دبي، سأل الإعلامي، عثمان العمير الشيخ محمد: «ما هي رسالتك للعالم؟» وبذلك ربما نفى العمير الحاجة إلى أي سؤال آخر.
أما جواب سموه فتجلى في عشر ثوانٍ عندما قال، «رسالتي أن الحياة كلها تحديات، وشعب الإمارات يحب التحديات، ونحن قادرون على الوصول إلى ما نريد».
عندما نتمعن في الإجابة نستشف أنها ذات ثلاثة أبعاد:
* البعد الأول: «الحياة كلها تحديات»: تلك هي فلسفة محمد بن راشد، وذلك هو جوهر رسالته للعالم. قد يكون طريق التحديات هو الأكثر وعورة ولكنه يقول لنا، إن السفن تكون آمنة في المرافئ، ولكن السفن لم تُبنَ لذلك.
* البعد الثاني: «شعب الإمارات.. يحب التحديات»: يؤطر محمد بن راشد بأن حب التحديات بالنسبة للشخصية الإماراتية هو جزء من مكونها الرئيسي، ولذلك لم يستخدم سموه المصطلح الأكثر شيوعاً وهو «مواجهة التحديات» فهو لا يعتبرها خطراً تجب مواجهته، أو شراً تجب هزيمته، فنحن نبحث عن التحديات لنستمتع بها، فذلك ما نحب.
* البعد الثالث: «نحن قادرون»: يتجلى هنا أن إيمان محمد بن راشد بقدرة شعبه راسخ، فنحن قادرون على تحقيق ما نريد الوصول إليه. ويؤكد سموه بأن «في كل يوم تحديات»، فتتضح هنا واقعية سموه، وإدراكه بأن خارطة الطريق تبقى حلماً، إن لم تقترن بزمن محدد.
ويقول الكاتب آني راند: «إن كنت تقاتل من أجل المستقبل، فإنك ستعيش مستقبلك من خلال حاضرك»، ولعل رسائل الشيخ محمد بن راشد تحمل في جوهرها ذات المعنى، وهي دعوة لنعيش الغد من خلال اليوم، فقد يكون الغيب حلواً، إنما الحاضر أحلى.
جريدة الخليج