حين يتصفح القلب صفحاته، يتمنى لو يشطب بعض السطور، يمحو بعض الصفحات، يمزق بعضها الآخر، أو يحرق شيئاً منها.
يتمنى لو أنه لم يفعل ذاك الفعل أو يتصرف بشكل مغاير في ذلك الموقف. يتوقف صافناً مشدوهاً أمام ما بدر منه في لحظة من لحظات العمر، وكيف فعله بتلك الطريقة متمنياً لو أمكنه أن يكون في الموقف ذاته مرة أخرى، ليتصرف بشكل يتمناه مختلفاً تماماً. يتمنى لو يمكنه تغيير الأزمنة والأمكنة ويقابل بعض من قابلهم في ظروف أخرى وبشكل مختلف. يتمنى لو يستطيع الاعتذار أو الصفح أو التحدي، يتمنى ويتمنى ويتمنى.
حينما نتوقف أمام مرآة الروح ونعيد حسابات الحياة بشجاعة مع النفس وقناعة تامة بالحاجة إلى التغيير، ونصارح أنفسنا بما ينقصنا ونحتاج إليه من تغيير، نمارس الجرأة في سبر أخطائنا، ونعترف بها بكل شفافية ناشدين التغيير، فنطلب الصفح والغفران ممن أخطأنا في حقهم، ونمارس الصدق بكل قناعة، مؤمنين بأننا سنكون أقوى وأفضل.
في لحظات الصدق دائماً ما نكون في قمة الإيمان والعقلانية والصفاء والقرب إلى الله. نكون أكثر حباً لأنفسنا، لأننا نمارس الصدق معها ونعيدها إلى صواب الطريق ونسلك بها درب السلامة. نعلن الانقلاب على الغرور والغطرسة وخداع النفس، ونتنازل عن كل ما كنا نتباهى به من زيف، ننخل حياتنا من كل مصائبها وشوائبها ونضعها في ميزان العدل والعدالة بالذات مع أنفسنا. ننقذ أرواحنا مما علق بها وعطلها وأساء إليها؛ لنستحق معنى الحياة، ونعيد ترتيب سلم أولوياتنا بالصدق والشفافية وبأسلوب يعتمد على الوضوح والتوبة النصوح.
نعلن التحدي الحقيقي، فلا نبقى فقط في خانة النفس اللوامة المراوحة في مكانها تلوك همومها وتلوم نفسها والآخرين دون فعل أو موقف، بل تعلن التغيير الصريح الواضح الذي يبدأ من النفس، يبني شخصية متصالحة مع نفسها صادقة مؤمنة تعي معنى الحياة وقيمتها. ويعي معنى قوله تعالى: «إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين». ويطبق قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: «كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون».
والعودة للحق فضيلة كما قيل، فهل يمكننا أن نعود؟ كلي يقين بأننا نستطيع، المهم أن نبدأ.
جريدة الخليج