تعد جائزة محمد زفزاف للرواية العربية من أهم الجوائز الأدبية العربية، ويمنحها منتدى أصيلة إلى روائي على مجمل أعماله الإبداعية، وتحفل هذه الجائزة في سجلها بالعديد من الأسماء الروائية البارزة، مثل الطيب صالح وإبراهيم الكوني وغيرهما، وهو ما يجعلها محط أنظار مختلف الروائيين والكتاب.
عرفت جنبات مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، مساء الجمعة، تتويج الروائي المغربي أحمد المديني بـ”جائزة محمد زفزاف للرواية العربية”، في دورتها السابعة، على هامش منتدى أصيلة الدولي في دورته الأربعين، والمستمر إلى غاية 20 يوليو الجاري.
وذكرت لجنة التحكيم أن أحمد المديني يمثل أحد الأسماء اللامعة في المشهد الأدبي العربي المعاصر، راكم منذ سبعينات القرن الماضي إلى اليوم ما يناهز خمسين عملا موزعة بين أجناس الرواية والقصة القصيرة والشعر والرحلة والبحث الأكاديمي والنقد الأدبي. وأضاف المحكمون أن نصوص المديني السردية المتواترة منذ نصه الرائد “زمن بين الولادة والحلم” (1976)، وحتى إصداره الأخير “في بلاد نون” (2018)، قد مثلت تنويعا جوهريا بالغ التأثير من تجربة الرواية المغربية المعاصرة، ومن مغامرة بحثها عن تجديد الرؤية والأسلوب.
وترأس لجنة التحكيم الكاتب الإماراتي راشد صالح العريمي، رئيس “جائزة الشيخ زايد للكتاب” سابقا، وضمت في عضويتها النقاد والأكاديميين حسين حمودة من مصر، والسورية شهلا العجيلي، أمين الزاوي من الجزائر، فاتحة الطايب وفاطمة كدو من المغرب، إضافة إلى شرف الدين ماجدولين، منسق الجائزة، فضلا عن الأستاذ محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، حيث عكفت اللجنة على قراءة المنجز الروائي لكاتبات وكتاب من مشرق الوطن العربي ومغربه.
كاتب متنوّع
قال رئيس لجنة التحكيم راشد العريمي، إن أعضاء اللجنة أجروا في ما بينهم مداولات ومشاورات، اتخذت على ضوئها قرارها بمنح “جائزة محمد زفزاف للرواية العربية” في دورتها السابعة إلى الروائي المغربي أحمد المديني، الذي حفر لنفسه موقعا مهما في المشهد الإبداعي العربي، وأثرى المكتبة العربية بأعمال متنوعة، تشمل القصة والرواية والشعر، فضلا عن دراسات وأبحاث مهمة بدأها في منتصف السبعينات من القرن الماضي.
نصوص المديني السردية مثلت تنويعا جوهريا بالغ التأثير في تجربة الرواية المغربية المعاصرة ومغامرة بحثها عن التجديد
وأوضح العريمي أن لجنة التحكيم استندت في قرارها منح المديني جائزتها هذا العام، إلى اتساع العالم الإبداعي ورحابته في أعماله الممتدة زمانا ومكانا، وقدرته على التقاط روح مجتمعه من خلال شخصيات ونماذج عامرة بالحيوية والحياة، وإدراك التحولات التي مرَّ بها هذا المجتمع المغربي في ظل واقع لا يفتأ يطرح أسئلته الكبرى على العقل والوجدان.
ولفت أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة محمد بنعيسى، إلى أن قرار لجنة التحكيم اتخذ بالإجماع، وهو أمر نادر الحدوث في لجان التحكيم الأدبية. موضحا أن الفائز بجائزة محمد زفزاف قامة أدبية وأكاديمية سامقة، ليس في مجال السرد والقصة وحدهما، بل مارس ألوانا مختلفة من الكتابة.
ويقول بنعيسى “يسجل المتتبعون لكتابات المديني النقدية انشغاله بما يصدر من إنتاج جيد في الوطن العربي. فلا يقصر اهتمامه على أسماء دون غيرها أو بلاد بعينها. إذ أن غايته المثلى جودة العمل الأدبي والكشف عن مكامن الموهبة في الأعمال التي يخصها بنقد غير متساهل مع المقومات المطلوبة، لكنه يشجع ويأخذ بيد المواهب الشابة، وينبهها إلى ما يجب العدول عنه”.
كما عزا رئيس لجنة التحكيم منح الجائزة إلى المديني إلى حساسيته السردية الفريدة في الكتابة الروائية، كما استطاع من خلال الكتابة في أنواع أدبية مختلفة تأكيد قدرته على اختيار الأدوات المناسبة التي لا تخلو من تجريب محسوب، فاقتطع لنفسه حدودا خاصة به، بحيث يمكن تمييز عالمه بسهولة بفعل أصالته وتفرُّده.
أما منسق اللجنة شرف الدين ماجدولين فقد أكد أن تتويج المديني جاء اعترافا بمسار روائي عربي بارز، واعترافا بما جمعته كتاباته من تجربة أدبية متميزة وحساسية سردية غاية في الأهمية، والاختيار هو انحياز لهذا النوع من الكتابة حيث يختصر الروائي والكاتب زمنه وزمننا بين باريس والدار البيضاء. وأضاف ماجدولين أن أحمد المديني ربط مصيره بالكتابة وجعلها طقسا يوميا طيلة أربعين عاما، جمع فيها بين التحليل النقدي والإبداع القصصي والروائي.
من جهته أكد رئيس لجنة التحكيم أن هذه السمات وراء ما لقيه المنجز الإبداعي للمديني من اهتمام في شتى أنحاء العالم العربي، إلى جانب اهتمام جهات متعددة بترجمة أعماله إلى عدد من اللغات الأجنبية، بوصفها معبِّرة عن خصوصية العالم الذي ينتمي إليه الكاتب. وفي الوقت نفسه فإنها تعبّر عن الخالد والباقي في النفس الإنسانية شأن كل الأعمال الأدبية الكبيرة”.
الوفاء للصداقة
بدوره ذكر أمين الزاوي عضو لجنة التحكيم، أن أحمد المديني أكثر الكتاب الذين تدرس كتاباتهم النقدية بالجامعات المغاربية ومن أكثرهم اعتمادا على مراجعهم بالجامعة الجزائرية، ولهذا اخترق كل الأجيال، كما أنه كاتب متجدد يوميا، في السيرة والرواية والشعر والنقد ومختلف صنوف الأدب.
إنتاج الكاتب يتوزع بين القصة القصيرة والشعر والنقد الأدبي والترجمة والرواية والبحوث، لتصل مؤلفاته إلى أكثر من 50 كتابا
وحسب فاطمة كدو، أستاذة الأدب الحديث بجامعة ابن طفيل، يعد المديني رفيق درب محمد زفزاف وحافظ ذاكرته وهذا إن دل على شيء فهو يدل على خصلة الوفاء، وقد تم الاحتفاء بالمديني من خلال كتاب محمد زفزاف وهو وفاء مدرسة ينقلها إلى الأجيال الشابة ومن القيم المشتركة التي يستوجب الحفاظ عليها الوفاء.
أما الناقد المصري حسين حمودة، فأكد أن معرفته بأحمد المديني إبداعيا جعلته يلمس فيه دفاعه في الواقع اليومي عما يراه حقا بعفوية وبساطة وعمق روحه، يصل من خلال أعماله إلى كل من قرأ له وهو واحد في كل ما كتب وما فعل، وتجربته مغامرة المحارب والمتحمس من أجل فكرته ورؤيته الإبداعية بتقمصاته المتعددة روائيا وشاعرا وقاصا. مضيفا أن الكاتب في أعماله يعتمد على قيمة المغامرة، وقد أنتج 12 رواية، تعبر عن وعيه بما يفتح هذا الجنس الأدبي من آفاق وقضايا وشخوص.
في كلمته بالمناسبة سرد أحمد المديني جانبا من علاقته بالكاتب الراحل محمد زفزاف الذي تحمل الجائزة اسمه، ولقاءاته المتواترة به بين الدار البيضاء وباريس، مستعرضا الأجواء والظروف التي شكلت حياة زفزاف اليومية والإبداعية حتى آخر يوم من حياته، وفي التفاتة وفاء لتلك الصداقة التي جمعت بين الكاتبين أهدى الروائي المديني الجائزة إلى روح الراحل محمد زفزاف.
وولد أحمد المديني سنة 1949 بمدينة برشيد حيث تابع دراساته الأولية ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس سنة 1987، كما أحرز على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون بباريس سنة 1990 واشتغل أستاذا جامعيا.
وإنتاج أحمد المديني بين القصة القصيرة، الشعر، النقد الأدبي والترجمة، والرواية والترجمة، والبحوث، يفوق الخمسين كتابا، وقد نشر أعماله بعدة صحف ومجلات مغربية وعربية وفرنسية.
صحيفة العرب