يمكن النظر إلى حالة الحزن التي أصابت العالم كله جرّاء حريق كاتدرائية نوتردام وسط باريس، على أنها علامة أن البشر، على ما بينهم من اختلافات وصراعات، يشعرون في قرارات أنفسهم، حتى وإن كان ذلك بنسبٍ متفاوتة، أنهم أبناء حضارة إنسانية واحدة أو مشتركة، رغم اختلاف اللغات والثقافات والديانات.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهّد بإعادة بناء المعلم التاريخي، وهو في ذلك يعبر عن رغبة جمعية، لا في فرنسا وحدها وإنما في العالم كله بألا يمحى هذا المكان من ذاكرة البشر. وإذا كان ما تعرضت له الكاتدرائية نتاج حريق لم يتسبب به فاعل بسابق إصرار وتعمد، فما أكثر المعالم التاريخية في مختلف بقاع الأرض، التي يعود تاريخ بعضها إلى أبعد بكثير من تاريخ كاتدرائية نوتردام، قد حرقت ودمرت بأيادي البشر أنفسهم، في اللحظات التي يعود فيها هؤلاء إلى بدائيتهم وتوحشهم.
هل بوسعنا، مثلاً، نسيان ما نال جامع النوري الكبير ومنارته الحدباء المشيدة في القرن الثاني عشر في مدينة الموصل، والتي تعد من أبرز معالم العراق التاريخية، على أيادي عصابات «داعش»؟ وهل بوسعنا نسيان ما حلّ بكبريات المدن الأوروبية في الحرب العالمية الثانية من تدمير قامت به الطائرات الحربية الألمانية بتوجيه من هتلر، وهو يسعى لتحقيق حلمه الجنوني في إخضاع القارة، لا بل والعالم كله، له؟
كاتدرائية نوتردام هي من أشهر الأماكن التي قدّمها إلينا الأدب والفن، فليس كل البشر المصدومين بالحريق الذي أتى على أجزاء مهمة من الكاتدرائية قد زاروا المكان ورأوه بأم أعينهم، ولكن الكثيرين منهم، إن لم تكن غالبيتهم، يعرفون اسم الكاتدرائية من خلال الرواية الشهيرة لواحدٍ من أهم أدباء فرنسا والعالم: فيكتور هوجو، رواية «أحدب نوتردام» التي تعدّ من أهم الروايات التي خلّدتها السينما، فمن لم يقرأوا الرواية شاهدوا حكايتها على الشاشات عبر واحد من الأفلام المتعددة التي استوحت أحداثها.
أول مرة قدّمت السينما الرواية كانت في العام 1923 على يدي والاس وورسلي ولون شاني، ليتعاقب بذلك ظهور «أحدب نوتردام» في السينما على أيدي مخرجين آخرين، ويذكر أن المسلسل السوري «جواد الليل» مستوحى أيضاً من أحداث الرواية.
قال النقاد إن أهمية «أحدب نوتردام» لا تكمن فقط في قصة الحب بين الأحدب وإزميرالدا، وإنما في توق البشر إلى دفء الجمال الإنساني، كما تبدى ذلك في عشق الأحدب للفتاة، محاولاً التضحية بحياته عدة مرات من أجلها، هي التي عطفت عليه ولم تسخر من عاهته أو تشوّه جسده.
جريدة الخليج