لا تبدو الأرقام، التي كشف عنها التقرير الخاص بالكتاب والنشر بالمغرب، الصادر عن مؤسسة عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، صادمة، على الأقل في ما يخص حصيلة الإنتاج المغربي المكتوب باللغة الأمازيغية والمنشور بالمغرب خلال السنتين السابقتين.
إذ ينحصر مجمل الإصدارات في أربعين عنوانا، وهو ما يشغل بالكاد الواحد في المئة من منشورات البلد، بينما يتجاوز عدد الأعمال المكتوبة باللغة العربية الألفين وأربعمئة، في حين لا تتجاوز الأعمال المترجمة إلى اللغة الأمازيغية الستة أعمال.
ولعل هذه المؤشرات التي تبدو محبطة، خصوصا بعد سنوات عن ترسيم الأمازيغية كلغة رسمية، ليست جديدة. إنها نفسها التي تطبع، سواء العناوين المعروضة في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، أو حجم الأعمال المرشحة لجائزة المغرب للكتاب، في فرعيها الخاصين بالإبداع وبالدراسة الأمازيغية، واللذين تم إحداثهما قبل سنة.
أما تبرير البعض للأمر بتأخر صدور النصوص التنظيمية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية فليس صائبا. إذ أن خلق مشهد أدبي لن يتم في جميع الأحوال بناء على قرار ما. بل إنه رهين مسار طويل من التراكم ومن الإنتاج ومن النقد ومن التداول بمفهومه الحديث. وإن كانت آثار الإبداع الأدبي الأمازيغي تمتد إلى قرون، والأكيد أنها تسبق الإنتاج المكتوب باللغة العربية بمجمل دول المغرب الكبير. بل إن تاريخ الأدب الإنساني يُرجع أول سيرة ذاتية في الغرب، تحمل عبق الثقافة الأمازيغية إلى كتاب “اعترافات” للقديس المسيحي أوغسطين، بالإضافة إلى رواية “الحمار الذهبي” لبوليوس، والتي يعتبرها عدد من مؤرخي الأدب أول نص روائي يصل كاملا، في تاريخ الإبداع الإنساني. وذلك دون الحديث عن التراكم الكبير على مستوى النصوص الشفهية، التي تشكل ذاكرتنا المشتركة.
في مقابل ذلك، يبدو مفارقا ألا يمتلك الناشرون جرأة دخول مغامرة نشر الكتاب الأمازيغي، بالرغم من وجود شريحة كبرى من القراء المفترضين والفعليين.
بعيدا عن هذا الوضع المعتم، تواصل “كتيبة” الكتاب المغاربة الشبان بهولندا، خلق أدبها الخاص وتميزها، والذي يظل من علاماتها تتويجها بأرفع الجوائز الأدبية بالبلد. إنها الكتيبة التي يقودها كل من عبدالقادر بن علي ومصطفى ستيتو وحفيظ بوعزة وفكري العزوزي وخالد بوضو ونعيمة البزاز ورشيد نوفير ورشيدة لمرابط وحنان المارون وغيرهم.
أما ما يجمع هؤلاء، الذين ولدوا خلال سنوات سبعينات القرن الماضي، فهو انتماؤهم إلى نفس الجيل وانحدار أغلبهم من منطقة الريف المغربية، أحد موائل الأمازيغية، والتحاقهم بهولندا في سن مبكرة وقدرتهم على الاندماج، مع احتفاظ نصوصهم بنكهتها الأمازيغية. هؤلاء ينسجون وجها آخر مشرقا وخفيا لأدب كتُب له أن ينتظر لحظته المؤجلة.
صحيفة العرب