في جميع الاستفتاءات التي تجري في الغرب حول الأدباء والأدب، يحتل ليو تولستوي المكانة الأولى في كتابه «الحرب والسلم». وفي جميع الاستفتاءات التي تجري حول أهم القادة العسكريين، يأتي نابليون في المرتبة الأولى. ليس هذا رأي تولستوي في نابليون، وفي جنرالاته، ولا في جيشه الإمبراطوري.
فالقائد الفرنسي استخدم ذكاءه لغزو روسيا، واستخدم جيشه للتخطيط، واستخدم جيوشه لمحاولة احتلالها. وفيما دافعت روسيا عن أرضها، وألحقت الهزيمة العسكرية بنابليون، أخذ أديبها الأكبر على نفسه أن يلحق به الهزيمة الأدبية. لكن عندما هزمت روسيا هتلر وجيوشه فيما بعد، لم يكن هناك تولستوي آخر في انتظاره. كان هناك عدد غير قليل من الكتّاب، ليس بينهم تولستوي واحد. ولا كان مجموعهم يشكل تولستوي آخر. فالزمان لا يكرر العمالقة في سهولة. لا في الحرب ولا في السلم. المفارقة الأخرى طبعاً، أن هتلر كان لا يقارن بطاقات نابليون، فلم يطلع له تولستوي. كان عسكرياً صغيراً، جرّ خلفه الأمة الألمانية في أحلام خرافية، في حين أن الذين جرّهم نابليون لم يكونوا الأمة الفرنسية، بل أيضاً مجموعة أخرى من الأوروبيين والمرتزقة. صدرت ألوف الكتب عن نابليون وعن هتلر، خصوصاً عن مغامرتهما المجنونة في روسيا. 90 في المائة على الأقل، من هذه المؤلفات تتعامل مع نابليون كظاهرة عبقرية، والنسبة نفسها تتعاطى مع هتلر كظاهرة جنون جماعية.
لكن الغموض البشري أحاط بالظاهرتين: كيف لملازم من جزيرة كورسيكا أن يصبح في سرعة مذهلة جنرالاً، ثم إمبراطوراً على فرنسا؟ وكيف لرقيب سابق في الجيش النمساوي، أن يصبح قائداً ملهماً لألمانيا؟ غريبان صغيران في إمبراطوريات كبرى.
لا شبه للحالتين في التاريخ. ولا موازي في الآداب لعمل تولستوي الذي صدر بعد 60 عاماً على الغزو الفرنسي. وقد أعاد كتابته 7 مرات، واستجوب العشرات من الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة ممن عايشوا الحرب (1805 – 1808)، وجمع فيه 161 شخصية حقيقية بالأسماء. ومع ذلك لم يعتبر أن «الحرب والسلم» هو أهم أعماله، بل روايته الثانية «آنا كارنينا» التي فيها الكثير من السيرة الذاتية.
جريدة الشرق الاوسط