لما كان الزواج من أخطر الخطوات في حياة الإنسان، ذكراً كان أم أنثى، وقلما توجد فيه قاعدة ثابتة تصون صاحبها وتهديه إلى سواء السبيل؛ فقد تعددت الأقوال والأمثال والحكم. وتشعبت الحكايات والروايات، ليس في عالمنا العربي فقط، بل عند سائر الشعوب والمجتمعات، البدائية منها والمتطورة. وقد لاحظت في «الكنز العالمي للأمثال» (طبعة بنغوين) أن أطول فصل في هذه الموسوعة كان فصل المرأة والزواج، فمن يجد الزوجة، كما يقول سفر الأمثال من العهد القديم، يجد لنفسه شيئاً جيداً.
الملاحظ في الأمثال العربية المتعلقة بالزواج تأكيدها لعنصر الأصالة أو جودة النسب والعائلة. إذا ما أردنا أن نثني على فتاة نقول إنها «بنت عيلة». هكذا تواترت أمثلة كثيرة على هذا الصعيد. يقولون في الجزيرة العربية: «الجادة ولو طالت وبنت الأصول ولو بارت». وكذلك: «خذي الأصيل ولو كان على الحصير». ويقولون في اليمن «بنت الأصول خير من المال والمحصول». وتسمع على هذا الغرار في لبنان أنهم يقولون «اسأل عن الأم قبل ما تلم». وإلى الغرب يجري المثل القائل: في ليبيا «عليك ببنات الأصول راهو الزمان يطول».
الفصيلة الأخرى من أقوال الزواج تتعلق بالفقر والغنى. ومن ذلك المثل القائل: «فقير تعينه ولا غني تخونه». وهناك حكاية وردت على هامش هذا المثل. قالوا إن رجلاً كانت له ابنة وحان وقت زواجها فتقدم إليها يخطبها شاب فقير ورجل آخر غني بخيل. وحار والدها في الخيار فلم يجد غير أن يستشير أحد الحكماء، فقال له «زوّجها لفقير تعينه ولا غني تخونه». وفسّر له القول بأنها في زواجها من الفقير ستنشغل في مساندته ومساعدته في كفاحه، أما في حالة زواجها برجل غني فستجده مشغولاً بأمواله وثروته، وليس لها ما تشغل نفسها به غير سماع كلام الشيطان.
وبينما أكدت حكمياتنا على المادة، وجدت الغربيين يؤكدون على الحب في وصاياهم عن الزواج. من ذلك قول الواعظ الأميركي بيلي غراهام: «لا شيء يجلب الطمأنينة للعائلة أكثر من الحب الحقيقي».
وقد أعجبني القول الأفريقي: «الزوجة زهرة في حديقة والزوج سياجها». الكتب السماوية حاشدة بالنصائح في هذا الصدد. ومنها قول الإنجيل: من يحظى بزوجة يحظى بنعمة من الرب.
هناك أمثال كثيرة تحذر المرأة من الجري وراء الثروة، لكننا نجد على المستوى العملي أن كل الناس يبحثون عن أزواج أغنياء لبناتهم؛ وعلى هذا السياق والمنوال تراهم يبحثون عن نساء غنيات لأولادهم وإخوانهم. مما يكشف عن مدى احترامنا للحكمة والنصيحة. لكن ربما يسير هؤلاء الجشعون بهدي مثل آخر يقول: «فقير تزوج بفقيرة خلقوا وجع لقلبهم». وهذا بدوره يكشف عن مدى تناقض أهل الحكمة في أحكامهم وأقوالهم. ولله في خلقه شؤون.
جريدة الشرق الاوسط