هل ضحك النحاة من ذقوننا؟ الشواهد كثيرة على أن شواهد النحو شهادتها إن لم تكن باطلة فعاطلة.دور البطولة الذي لعبه النحويّ كان غير عادلٍ إمامٍ في اللغة. جوهر مبحثنا أثر ذلك في حقيقة القواعد التي نشأت عليها الأجيال، وقامت المناهج التي تدرّس في مدارس العرب.
كان النحاة عندما يجدون أن القاعدة تنقصها ساق لتقوم على رجليها، لعدم وجود مستند من كلام العرب، يختلقون بيتاً شعرياً يبرّر المسألة، بمثابة ساق صناعية. ينسبون البيت إلى شاعر أو إلى «قال الشاعر». يترك القلم المجال لعاشق العربية مصطفى صادق الرافعي في كتاب «تاريخ آداب العرب» (المقتطفات من كتاب «مصادر الشعر الجاهلي وقيمها التاريخية» للأديب الأردني ناصرالدين الأسد).
متعة سريالية: «شعر الشواهد، وهو النوع الذي يدخل فيه أكثر الموضوع، لحاجة العلماء إلى الشواهد في تفسير الغريب (يقصد الألفاظ الغريبة) ومسائل النحو. والكوفيون أكثر الناس وضعاً للأشعار، لضعف مذاهبهم وتعلقهم على الشواذ واعتبارهم أصولاً يقاس عليها.
قال الأندلسي في شرح المفصّل: والكوفيون لو سمعوا بيتاً واحداً فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلاً وبوّبوا عليه بخلاف البصريين. ولهذا وأشباهه اضطر الكوفيون إلى الوضع فيما لا يصيبون له شاهداً إذا كانت العرب على خلافهم»!!
أطرف من ذلك: «فلمّا كثر القصّاصون وأهل الأخبار اضطروا من أجل ذلك أن يصنعوا الشعر لما يلفقونه من الأساطير، وليحدّروا (أي ليوصلوا) تلك الأساطير من أقرب الطرق إلى أفئدة العوام، فوضعوا من الشعر على آدم فمَن دونه من الأنبياء وأولادهم وأقوامهم، وأوّل من أفرط في ذلك محمد بن إسحق». ويضيف: «ممّا يدخل في هذا الباب شعر الجن وأخبارها».
واضعو المناهج لا يُثقلون على الدارسين بشجار الكوفيين والبصريين، ولكن ماذا عن القواعد التي يقدمونها؟ أليست هي ما استخلصوه من النزاعات التي لم يحسمها معاصرونا؟ إذا كان الميراث كثير الشوائب في مراجعه الأولى، فإن الحلّ لن يكون إلاّ أكاديميّا بجرأة واقتدار. أن يختار اتحاد مجامع العربية نخبة تضطلع بأمانتين: حسم النزاعات اللغوية، وتبسيط القواعد إلى الحدّ الضروريّ الذي لا يقبل زيادة ولا نقصاناً.مع انتهاج الأسلوب التربوي العلميّ الذي يجعل التلاميذ والطلاب يستنبطون القاعدة بأنفسهم.
لزوم ما يلزم: النتيجة التصفوية: على فقهاء اللغة الجدد أن يعيدوا النظر جذريّاً في أحجيّة الشواهد. كيف يُعقل أن تبنى قاعدة لغوية على بيت شعر مشكوك في هويته؟
جريدة الخليج