كل قضية، مهما كانت خطيرة، تصلح لأن تتحول إلى مهزلة. ويبدو أن السخرية هي الدرع الواقي الذي يلجأ إليه الفرد في مواجهة أمور كثيرة منفرة، ومنها البلادة. تسمعهم يتحدثون عن «الإسلاموفوبيا»، ويمعنون فيها جدلاً وتحليلات وآراء وتوقعات. الإسلام، بالنسبة لكثيرين في الغرب، هو بعبع الألفية الثالثة. وأكاد أسمع جارتي الفرنسية تهدد طفلها: «إذا لم تأكل السبانخ سيأتي صديقك كريم ويلتهمها». لعل لهم الحق في قلقهم حين يستفيقون في المواسم الجميلة على إرهابي يطلق النار عشوائياً وهو يكبّر. وفي ستراسبوغ، شرق البلاد، صوب رجل يدعى شريف شيكات مسدسه على المارة في سوق الميلاد، فقتل أربعة، بينهم أفغاني وتايلندي.
أن تكره الإرهاب وحواضنه شيء، وأن تخاف كل المسلمين وتكرههم شيء مختلف. وبلغ الأمر أن يتخصص فنانون في تقديم عروض ومسرحيات تركز على ظاهرة «الإسلاموفوبيا». ففي بلاد أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكا وفرنسا والسويد، لا يمكن للمرء أن يواصل الخوف من خياله؛ إن المسلم موجود في كل مكان: يقود الحافلة، ويحرس المتجر، ويسهر عند باب العمارة، ويشوي الكباب في مطاعم الوجبات السريعة، ويجمع النفايات، ويرتق الثياب القديمة، ويسقي أزهار الحدائق العامة. وهو مثله مثل غيره، يحترم القوانين وينصاع لها، لكن يحدث، أحياناً، أن تغلبه النفس الأمارة بالسوء، فيخالف التعليمات العامة، ولا يلقي القناني الزجاجية في الحاويات المخصصة لها وحدها، أو أن يغش في استمارة ضريبة الدخل، أو أن يتحرش بعابرة.
تنشر الصحف، مع نهاية كل عام، قائمة بالأسماء الأكثر تداولاً بين المواليد الذين رأوا النور خلال السنة المنصرمة. ويضع كثيرون أيديهم على قلوبهم حين يقرأون اسم «محمد» بينها. وإذا كان هذا هو اسمك، فأنت لا تحتاج لأن تتهجّاه لكي يلتقطه المستمع الفرنسي. فأسماء مثل كريم وياسين وعزيزة وشريف صارت شائعة، وتمر على الألسنة مرور الكرام، مثل فرنسوا وبريجيت وجان كلود. أما إذا كانت اللقمة كبيرة جداً، فلا بأس من اللجوء إلى الفكاهة لتمريرها في البلعوم.
في الفضاء الإلكتروني مقطع هزلي تدور أحداثه في مركز فرنسي للأنواء الجوية. ونرى موظفاً يدخل على المدير ليبلغه بخبر عاجل: هناك إعصار كاسح في طريقه إلى المنطقة. يهبّ المدير من مكانه، ويطلب من كل الموظفين أن يلزموا مواقعهم أمام خرائط الرصد، ويستعدوا لإعلان حالة الطوارئ. لقد جرت العادة على أن يحمل كل إعصار اسم خبير الأنواء الجوية الذي اكتشف مجيئه. وهكذا، مرت على العالم أعاصير هارفي وفلورنس وإيرما وماريا وغيرها. وكانت الجمعيات النسائية تعترض على تسمية غالبيتها بأسماء مؤنثة، وهو تقليد ابتدعه عالم الأرصاد الجوية الأسترالي كليمنت راج، المتوفى سنة 1922. وكان راج يجد متعة في تسمية الأعاصير بأسماء نساء يكرههن. كما اختار لبعضها أسماء أعضاء البرلمان الذين يرفضون دعم ميزانية دائرة الأرصاد.
في الفيلم، يقول الموظف للمدير الفرنسي إن هناك مشكلة أكبر من الإعصار. فالذي انتبه لقدومه، يا سيدي، هو زميلنا الخبير رشيد. رشيد؟ يتهاوى المدير على كرسيه، ويحتوي رأسه بين كفيه. إن الأهالي يفزعون بشكل طبيعي حين يعرفون أن إعصاراً يدعى كريستينا في طريقه إليهم. كيف الحال إذا أخبرناهم أن اسمه رشيد؟ يُستدعى الخبير إلى مكتب المدير الذي يبدأ باستجوابه: قل لي يا رشيد، ألم يطلق عليك أبوك اسماً ثانياً إلى جانب اسمك؟ نعم يا سيدي، إن اسمي الثاني مصطفى. يضرب المدير رأسه بكلتا يديه، ثم يقف ويصيح: أخبروا وسائل الإعلام أن الإعصار رشيد في طريقه إلينا. كارثة أهون من كارثة.
جريدة الشرق الأوسط