يرد اسم الشيخ مصطفى صادق الرافعي دائماً بين ذوي الأسماء الكبرى الذين هاموا هياماً شديداً بالأديبة مي زيادة، أو «الآنسة مي»، صاحبة أشهر صالون أدبي عربي. وكان حب هؤلاء لها عذرياً. من عباس محمود العقاد، إلى ولي الدين يكن. وفي ذلك الفضاء العذري الرومانسي، أحبت مي بدورها جبران خليل جبران عند بعد عشرة آلاف كيلومتر ما بين القاهرة ونيويورك، وتبادلا الرسائل وما التقيا.
لم يكن مصطفى صادق الرافعي في ولعه بالآنسة مي بعيداً في نيويورك، لكنه كان بعيداً في مدينته طنطا التي رفض الخروج منها إلى أي مكان. وكان الرافعي من عائلة طرابلسية لبنانية هاجرت إلى مصر في القرن الثامن عشر وانتشرت في سلك القضاء. وفي مرحلة واحدة كان منها 40 قاضياً.
غير أن أديبنا لم يحب من النساء مي زيادة وحدها. ويقول الناقد الكبير رجاء النقاش إن الرافعي هام «أدبياً» بنساء كثيرات، واشتعل ببعضهن حباً: «وكان للرافعي في ذلك تصرفات تبدو غريبة جداً. فقد كان يستأذن زوجته في الحب، وكان يطلعها على رسائله إلى حبيبته ورسائل حبيبته إليه. وكانت الزوجة الطيبة تقبل ذلك وترضاه لعلمها أن (حدود) حب الرافعي هي حدود الانفعال والتعبير عنه، وإنه لا يخرج عن هذه الحدود بسبب الرادع الديني عنده».
عاش الرافعي قصة حبه مع «الآنسة مي» في داخل نفسه بعدما أدرك – مثل سواه من كبار العاشقين – أن له مكاناً أثيراً في الصالون، وليس في القلب. وكتب لها «أوراق الورد»، مجدداً منذ تلك الأيام في الصيغة الشعرية، أو «الشعر المنثور».
والآن يخيل إليَّ أن الحقد الذي حمله الرافعي على جبران خليل جبران كان سببه «مي». وكنت أعتقد في الماضي أن السبب هو الاختلاف الثقافي، وكون الرافعي شديد المحافظة يقابله رجل شديد الليبرالية.
في تلك المرحلة (أوائل القرن الماضي) هاجم المفكر سلامة موسى «الكتّاب الشوام» لأنهم أدخلوا إلى مصر صحافة الابتذال واللاوطنية. يرحمك الله يا أستاذ سلامة: وماذا عن الذين جاءوكم من طرابلس؟ آل الرافعي وصاحبة أول مجلة قومية في مصر، فاطمة اليوسف؟ بل ماذا عن مي وأعظم تجمع أدبي؟
جريدة الشرق الاوسط