ضمن أنشطتها الدورية، شهدت الساحة الثقافية الإماراتية، الأسبوع الفائت، انعقاد الجمعية العمومية لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات وانتخابات مجلس إدارته الجديد بمقره في الشارقة، ويكاد يتزامن الحدث مع انتخابات الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب في ديسمبر المقبل بأبوظبي.
ولعل ما تمخضت عنه انتخابات اتحاد كتاب الإمارات ما أشار إليه الشاعر والكاتب حبيب الصايغ، رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، فوز نخبة من العناصر الشابة بأغلبية مقاعد مجلس إدارته الجديد ومن الجنسين، متوقعاً التصويت لمصلحة بقاء الأمانة العامة للكتاب العرب في الإمارات، فيما أكد الصايغ أن ما تشهده الدولة من حراك ثقافي يعد من أهم متطلبات استحقاق 2021 الهادف إلى أن تكون حكومة الإمارات من بين أول خمس حكومات في العالم. حول هذه التفاصيل وغيرها، أجرت «البيان» الحوار التالي مع حبيب الصايغ عقب الانتخابات مباشرة. وإلى نص الحوار:
نبارك لكم الفوز برئاسة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في انتخاباته الأخيرة وللمرة التاسعة.
التهنئة في الواقع للجميع، فنحن لدينا تاريخ مشترك، وأعتقد أن النجاح ليس لحبيب الصايغ بشكل شخصي، وإنما هو نجاح للمشروع العام الذي بدأناه واستمر العمل عليه على مدى تسعة أعوام، وكان من أهم نتائجه، في رأيي، وصول هذه النخبة من العناصر الشابة التي فازت في الانتخابات اليوم ووصلت إلى مجلس الإدارة، وأقولها صراحة إننا قد أصبحنا الآن مطمئنين على موضوع المناقلة بين الأجيال، هؤلاء سيكملون مسيرة الاتحاد.
ماذا عن علاقتكم بالماضي؟
في العمل الثقافي لا يمكن أن تكون هناك قطيعة مع الماضي، لأنه عمل تأسيسي وتراكمي، وفي يقيني أننا يجب أن نستفيد من التجربة، أعني تجربة أول يوم تنادينا فيه لتأسيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في سنة 1984، هذا البيت، الذي سيستمر إن شاء الله. وعلينا كذلك أن نعي أنها تجربة، ولكل تجربة سلبياتها وإيجابياتها، سواء كانت في الماضي أم الحاضر غير أن المهم هو هذا الوعي.
مشروع ثقافي
الوعي شيء يفرضه علينا مفهوم الثقافة حتى قبل فكرة البيت الواحد، أليس كذلك؟
مفهوم الثقافة يفرض علينا هذا الوعي بالتأكيد. الثقافة باعتبارها جامعة للفكر، للتراث، للمعاصرة، للحرص على تطوير قدرات أفرادها على موضوعات كالشباب.. إلى آخره، كذلك أضيف الحرص في الجانب الذي يتعلق بالظروف المحيطة، إن استحقاق سنة 2021 بات قريباً جداً، إن أمامنا في الواقع ثلاث سنوات من العمل الشاق، ما يتطلب أن نكون إيجابيين ثقافياً، ونحن نعلم أن حكومتنا تريد أن تكون متميزة باستمرار ومن بين أول خمس حكومات في العالم.
وهذا لا ينطبق على اتحاد الكتاب وحده، أنا أتكلم عن كل جمعيات النفع العام، مؤسسات القطاع الأهلي، نتمنى أن يواكب عملها هذا الطموح، لأن الدولة لا يمكنها أن تحلّق بالعمل الرسمي فقط، فهي ستطير بجناحين، أحدهما يعاني من الخلل في الواقع، لذا ينبغي أن نكون موجودين، وتكون لدينا مواقفنا، وعلى الصعيد الإبداعي يجب أن نطور أنفسنا، وأن يكون لدينا زيادة على ذلك مشروع ثقافي يجسد هذا الوعي، وكما ترون نطمح إلى مشروع نقدي وآخر للترجمة.
وأنا أعيد وأكرر أن المرحلة المقبلة ليست مرحلة مجلس الإدارة فقط، بل هي مرحلة الجمعية العمومية، على الجميع أن يعمل، وعلى هذا الصعيد سنسعى إلى تفعيل دور الجمعية العمومية، لا على صعيد الانتخابات فقط، ولكن على صعيد عملي، أن يكون هناك نشاط نوعي هو الذي يغلب على عمل الاتحاد.
وجوه شابة
لكن مسألة الوجوه الجديدة الشابة وتوليها القيادة قد لا تروق للبعض، البعض يتساءل: ما الذي يمكن أن يقدموه، ما تعليقك؟
وأنا أسأل هل يذكر هؤلاء كم كانت أعمارنا عندما ذهبنا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وطالبنا بأن يكون هناك اتحاد لكتاب وأدباء الإمارات، كنا في العشرينيات وبعضنا حتى أقل من هذه السن، وأذكر أن بعضنا كان قد نشر أعماله في كتب، أذكر أنه كان قد صدر لي دواوين: «هنا بار بني عبس»، و«الناطق الرسمي باسم نفسه»، و«قصائد إلى بيروت»، و«الملامح»، وكنت في الخامسة والعشرين وأباً لطفلين، لقد مضى على ذلك نحو 34 عاماً.
الحقيقة أن من حضر اليوم انتخابات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ثم تناسى هذه الحقائق عن نفسه لا يحق له أن يعترض على وصول هؤلاء الشباب إلى مجلس الإدارة، لا أحد يمكنه أن يقف في وجه الزمن، الزمن يتقدم إلى الأمام، والأكيد بالنسبة إليّ أن هذا الجيل هو جيل أفضل من جيلنا.
وهناك ظروف موضوعية تفرض ذلك، لقد أتيحت لهؤلاء الشباب أجواء أفضل، مناخات أفضل، بنية تحتية وتقنية أفضل، هو جيل الوسائل الجديدة، وعندما بدأنا بالكتابة والإبداع قبل الثمانينيات لم تكن هناك جامعة في الإمارات، ثم افتتحت جامعة الإمارات، والآن لدينا ما يزيد على الستين جامعة، ولا تنسوا البعثات والتغيير الهائل الذي حصل في العالم، وحتى الحروب، الانتصارات والانكسارات، كل ذلك يضيف إلى هذا الجيل. والواقع أن رهاننا الكبير ينبغي أن يكون على الشباب، كما أن من هم أكبر ينبغي أن يشاركوا لا أن يجلسوا في بيوتهم، وعبر صناديق الاقتراع يكون الفرز من خلال الواقع.
جانب إنساني
باعتبارك أحد أهم الشخصيات الثقافية في الإمارات، هل تلحظ قصوراً في التعامل مع الثقافة، ولدينا مؤسسات ثقافية إلا أن الدعم الممنوح لها غير كافٍ، لكونها مؤسسات غير ربحية، ومنها جمعيات النفع العام، أي المؤسسات الأهلية.
إذا استثنينا في الواقع نموذج الشارقة فهو شامل ومستدام في موضوع الثقافة ويتحقق فيه مفهوم الثقافة كما هو في الواقع، الآن هناك دوائر أخرى في الإمارات بينها وبين الميدان قطيعة، ستسألون: لماذا؟ وسأقول لكم: لأن مفهوم الثقافة لديها مختلف، أي أنه غير متوازن، كما أنها مترفعة على المتعاملين معها من الكتاب والأدباء وغيرهم من ذوي العلاقة بالثقافة، وهو أمر مؤسف حقيقة، فنحن مع التطور ومع النظرة الجديدة والثقافة التي لا تستخدم الأوراق والأقلام في معاملاتها، إلا أننا يجب ألا ننسى أن الجانب الإنساني ينبغي أن يكون موجوداً، الإمارات لديها قامات أدبية وإبداعية مهمة، ولا ينبغي الترفع هنا.
الجزء الآخر من السؤال يتعلق بالدعم المادي، حيث إن البعض يرى أن الإنفاق على أي شيء مادي ملموس هو الصحيح، أما خارج ذلك فإن الإنفاق يشكّل نوعاً من الهدر، وهو غير صحيح، لأن الثقافة تنتج.
القصور موجود أيضاً في قانون الجمعيات، والمطلوب مراجعة قانون الجمعيات، ليس لتعديله فقط، وإنما نحو تغييره جذرياً، لأنه لم يعد يناسب العصر، ولا دولة الإمارات التي ستحتفل بعد ثلاث سنوات بأنها واحدة من أفضل خمس حكومات في العالم.
وهناك قانون الأنشطة الإعلامية الذي لم يصدر، ولله الحمد، بفضل حكمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لأن سموه تحفّظ على بعض ما جاء فيه من مواد انطلاقاً من وعيه بأهمية الحرية المسؤولة، والشيء ذاته يقال عن قيادتنا هذه التي تسبق الزمن، وهي من أولى الدول العربية التي أمرت فيها الحكومة بعدم تعرض الصحافيين لعقوبة الحبس، هذا القرار أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. إننا في الواقع نتمنى أن تترجم المؤسسات التنفيذية هذا الوعي، لتكون قوانيننا مناسبة للعصر وغير معطلة للعمل.
وأنا أتكلم هنا من واقع تجربتي في إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، نحن نطالب بقانون جديد لجمعيات النفع العام نشترك في وضعه، تمتزج فيه آراؤنا، كما نشكر وزارة تنمية المجتمع، وعلى رأسها الوزيرة الشابة معالي حصة بوحميد، على تفهم هذا الجانب، ونتمنى الاستعجال في هذه الخطوة.
لكن إذا كانت هناك بعض الأمور تعرقل العمل، فإن هناك أيضاً عرقلة من جانب الجمعيات والمجتمع، أحياناً لا يكون لدينا نحن كأفراد الوعي الكافي بمفهوم الثقافة، أليس كذلك؟
أجل، وسأعطيك مثالاً بسيطاً، من منا لا يتذمر من عدم حضور الجمهور الأنشطة الثقافية، والحقيقة لو حضر من يتذمر بنفسه أتصور أن المشكلة ستحل عندها.
إننا مسؤولون أيضاً، هناك من ينتقد ولا يحضر للعمل في المؤسسة، هذه المقاطعة لها هل تجيز له أن يحضر بعد سنوات، ويحاسب الآخرين دون أن يعرف ما يجري في المؤسسة ودون أن يشتغل، كما أن المشكلة تبدو كذلك في القانون الذي يساوي بين من يعمل ومن لا يعمل ويغيب عن الجمعية سنوات، يجب أن يراعي النظام الأساسي للجمعيات هذه الجزئية، بحيث ينص القانون على أن يكون هناك ترشيح جديد لمن يغيب مدة معينة من السنوات عن الجمعية العمومية بلا سبب، ثم يرغب في العودة إلى الجمعية أو الاتحاد مرة ثانية.
اتحاد الكتاب العرب
إذا ابتعدنا قليلاً عن مستجدات مشهدنا الثقافي المحلي واتحاد كتاب وأدباء الإمارات وانتقلنا إلى اتحاد الكتاب العرب، نحن صراحة لسنا على اطلاع كافٍ بمستجداته، هل نتحدث عنه، وعن هذه المستجدات؟
لقد ترأست اتحاد الكتاب العرب بعد الانتخابات التي جرت بأبوظبي في 25 ديسمبر 2015، وفي شهر ديسمبر سأكمل الدورة الأولى بالنسبة إليّ. وفي الحقيقة، إن اتحاد الكتاب العرب منظمة أنشئت سنة 1954 في أعقاب الدعوة التي قام بها كبار المثقفين في تلك الفترة، في حين أجازه قانونياً الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكانت أمانته العامة في القاهرة، ثم انتقلت إلى دمشق، وبقيت مدة طويلة، وتنقلت بين عدة دول عربية، لتعود إلى القاهرة لمدة تسع سنوات.
وحسب النظام الأساسي، فإن الأمانة العامة تتبع بلد الأمين العام، وهي اليوم موجودة في الإمارات، أما مدة دورتها فهي ثلاث سنوات، يُعقد فيها اجتماع المكتب الدائم كل ستة أشهر، وفي نهاية الدورة يعقد المؤتمر العام، وتعقد خلاله الانتخابات، وسيعقد هذا المؤتمر وهو السابع والعشرون في أبوظبي في نهاية العام، وستقام فيه انتخابات جديدة.
وبالطبع، فهو يصدر بيانات ثقافية وسياسية وهناك حراك ثقافي. أما بالنسبة إلى الإمارات، فإن ما قدمته هو المكتب الدائم المستقل الموجود على أرضها في إمارة الشارقة، بدعم من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقد تم افتتاحه بحضور سموه وحضور جميع رؤساء الاتحادات العربية، وهي المرة الأولى منذ سنة 1954.
على صعيد شخصي إبداعي، ما جديدكم؟
لدي ثلاثة أعمال جديدة ستصدر هذا العام في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وهناك كتاب سيصدر قبل المعرض بإذن الله، يحتوي على قصائد معاصرة في الشيخ زايد، رحمه الله، بدأت كتابتها منذ سنة 1968 ولم تُنشر، وهي من الشعر العمودي، والمرحوم الشيخ زايد هو محور هذه القصائد في كل المناسبات التي شهدها في حياته، وبالمناسبة فأنا في نهاية سنة 2018 سأكمل خمسين سنة في الكتابة.
ما رأيك في صحافتنا المحلية، الآن؟
هناك مقارنات في الصحافة بين البدايات، أعني في بداية السبعينيات حتى الثمانينيات، وهو ما أعتبره خللاً يقع فيه أحدنا، فبسبب طبيعة هذه المقارنات، وعندما تكون بين شيئين تفصل بينهما أربعون سنة، تجد أن ما يحدث في الواقع هو أن صاحب الذاكرة القديمة يستحضر ذاكرته القديمة ويقارن بما يراه اليوم، وفي هذه الذاكرة القديمة إعجاب بما كان، بينما في واقع الحال هناك أشياء قد حدثت، وهنا لا بد من الموضوعية في المقارنات.
وهناك أيضاً موضوع الحرية وتدفق المعلومات، ولو نظرت إلى الحرية فهي موجودة، إلا أن المشكلة في تدفق المعلومات، فنحن لا نحصل عليها، وزد على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة التي أصبح الكل فيها مسؤولاً وصحافياً، فهو يرسل تغريداته ويسبق الصحافة في نشر الأخبار.
إن شيئاً كموضوع الخبر تبدو أولوياته منحسرة في صحافتنا. وفي اعتقادي، إن الأولويات داخل الإعلام الثقافي مرتّبة بشكل غير صحيح، فأنت لا تفهم كيف تغيب النصوص عن الإعلام الثقافي، والنقد الحقيقي غائب، هناك نقد انطباعي فقط، وهناك قلة اهتمام بالمبدع نفسه، حيث لا بد من حضور أكبر له في الصفحات الثقافية.
صدر له:
امرأة (نص) 2017
العصفور في بلد الطيور (نص) 2017
قصائد مهملة 2017
في حب الشيخ زايد 2017
الأعمال الشعرية الكاملة في جزأين 2012
رسم بياني لأسراب الزرافات 2011
قصائد على بحر البحر 1993
ميارى 1982
التصريح الأخير للناطق الرسمي باسم نفسه 1981
هنا بار بني عبس 1980
بطاقة
حبيب يوسف عبد الله الصايغ، شاعر وكاتب إماراتي، رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء العرب، رئيس التحرير المسؤول في صحيفة الخليج الإماراتية، مؤسس أول ملحق ثقافي في الإمارات (الفجر الثقافي 1980)، أول محرر صحفي إماراتي.
حاصل على بكالوريوس الفلسفة عام 1977، والدبلوم العالي في اللغة الإنجليزية للأغراض الأكاديمية، وماجستير اللغويات الإنجليزية – العربية والترجمة من جامعة لندن عام 1998.
حاصل على «جائزة تريم عمران» – فئة رواد الصحافة، وجائزة الدولة التقديرية – فئة الشعر، وجائزة الشارقة لشخصية العام الثقافية 2012، وجائزة العويس – فرع الشعر، ووسام مجلس التعاون 2016، وميدالية أوائل الإمارات 2016.
جريدة البيان