قد يعتقد البعض أن الشخصيات الروائية الشهيرة مثل «شيرلوك هولمز» أو «جيمس بوند» شخصيات حقيقية استوحى منها الكتّاب شخصياتهم الأدبية، لكنهم سيفاجأون إن علموا أن هاتين الشخصيتين وغيرهما من الشخصيات الروائية المشهورة شخصيات من ابتكار خيال الروائيين الذي تجاوز حدود الزمان والمكان وقدم نجوماً فاق حضورها وشهرتها نجوم ومشاهير العالم الحقيقيين.
ابتكر المؤلف البريطاني السير «آرثر كونان دويل» شخصية المحقق «شيرلوك هولمز» في روايته الأولى التي نُشرت عام 1887، وتعاقبت بعد ذلك قصص وروايات «شيرلوك هولمز»، وقد تم تخليده في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية على مر السنين؛ ما أبقاه حاضراً لدى الجمهور، بل إنه حصد شهرة في عام 2018 أكثر من أي وقت مضى.
وقد غدت شقة (B 221) في الطابق العلوي من بناية (يفترض أنه عاش فيها) في بيكر ستريت بلندن عنواناً رسمياً له، يتوافد عليها السياح والأدباء زرافات ووحداناً.
لا تزال خصال «شيرلوك هولمز» وملامح شخصيته تروق لقرّاء اليوم، ولا تزال عبقريته وأطواره الغريبة تجتذبهم؛ إذ يظلون متحفزين وهم يراقبونه يستخدم عبقريته في حل ألغاز وتعميات الجرائم تبدو غير قابلة للحل، والتي أعجزت ضباط الشرطة، فقد برع «آرثر كونان دويل» في تقديم أساليب «شيرلوك هولمز» في حل ألغاز الجريمة وتقديم الأدلة الدقيقة التي ربما لا يلتفت إليها أحد منا.
ولا يقل المحقق «هرقل بوارو»، الذي ابتكرته أغاثا كريستي، شهرة عن «شيرلوك هولمز»، فقد قدمته شخصية نابضة بالحياة لا نعرف إن كانت قد استقتها من الواقع أم استوحتها مما طالعته من روايات.
ظهر «هرقل بوارو» في أول رواية نشرتها «كريستي» عام 1920، وقد قدمته ببراعة ووصفته للقارئ بدقة متناهية ما جعله شخصية واقعية بامتياز، وقد جاء في وصفه أنه: «رجل ضئيل الجسم إلى أبعد الحدود، لا يتجاوز طوله 160 سنتيمتراً، ذو رأس بيضاوي يميل قليلاً إلى الجانب، وعينين تشعان باللون الأخضر عندما ينفعل، وشاربين عسكريين، وإحساس مُرهف بالكرامة! وحتى حين يكون وجهه مغطى، فإن أطراف شاربيه وأرنبة أنفه تظل ظاهرة، وهو مهووس بالنظافة والأناقة والنظام والترتيب، فكل ذرة من الغبار قد تسبب له ألماً أنكى من جرح رصاصة».
ويُصور في العديد من الأعمال التلفزيونية والأفلام المأخوذة عن روايات أغاثا كريستي، بدقة وأمانة بارعتين، تكاد تتطابق مع وصف كريستي الأصلي.
وقبل «آرثر كونان دويل» و«أغاثا كريستي» والعديد من الكتّاب، قدمت لنا «ألف ليلة وليلة» شخصية البحار سندباد القادم من مدينة بغداد، والذي عاش حسب روايات ألف ليلة وليلة في بدايات الخلافة العباسية، في القرنين الثامن والتاسع، وقد جسدت ألف ليلة وليلة شخصية سندباد ببراعة فائقة تجعل القارئ يشعر بأن حكاياته الرائعة حكايات حقيقية، وأن شخصية سندباد شخصية تاريخية معروفة.
لم تبتكر الروايات شخصيات المحققين والمغامرين فقط، بل قدمت لنا أيضاً «جيمس بوند»، أشهر العملاء السريين على الإطلاق، العميل البريطاني السري الذي ابتكره «إيان فليمينغ» عام 1953، ثم تناوله في 12 رواية ومجموعتين قصيرتين.
ابتكر «إيان فليمنغ» شخصية «جيمس بوند» ضابط المخابرات السرية، المعروف بالاسم الحركي MI6. والكود 007. وقد عمل فليمنغ ضابط بحري في الحرب العالمية الثانية ضمن البحرية الملكية، وذكر أنه استوحى شخصية جيمس بوند من عدد من الأفراد الذين عرفهم أثناء خدمته، وقام بدمج شخصياتهم جميعاً في شخصية بوند.
غدت شخصية بوند ومغامراته محطّ اهتمام التلفزيون، والإذاعة، والسينما، والقصص المصورة، وألعاب الفيديو. وتعد سلسلة أفلام بوند أطول سلسلة أفلام متواصلة حتى يومنا هذا، ولازالت تحقق أفضل المبيعات. إنني على ثقة بأن «إيان فليمنغ» لم يكن ليتخيل النجاح الأسطوري الذي حققته رواياته والأعمال التي جسدتها!
ابتكر «جورج أورويل» شخصية الأخ الأكبر في الديستوبيا «1984»، وفي الرواية ذاتها، لم يتضح إذا كان الأخ الكبير شخصاً حقيقياً، أم هو تجسيد خيالي للحزب. الأخ الأكبر، زعيم «أوقيانوسيا»، عبارة عن رمز لسلطة رقابية قوية للغاية، تتسلل لمنازل الجميع وتحمل رسالة مفادها أن الأخ الأكبر يراقبكم.
بعد نشر رواية 1984 أصبحت كلمة الأخ الأكبر تستعمل مرادفاً للتعسف في استعمال السلطة الحكومية، وفي كبت الحريات المدنية، وفي عالم اليوم يلعب الإنترنت، أحياناً، دور الأخ الأكبر!
يا لعبقرية أورويل، الذي كتب روايته «1984» في عام 1948، واستشرف من خلالها عالم المستقبل ورصد ملامحه بدقة فائقة.
هذه الشخصيات ومغامراتها والمستقبل المتخيل، والماضي البعيد، والكثير من الموضوعات التي تقدمها لنا الكتب على طبق من الخيال العبقري والواقع المبدع، أكثر ما يجعلنا نتلهف لقراءة الكتب والسفر إلى عالمها الرائع.
جريدة البيان