ما سرّ ظاهرة معاداة الثقافة في صميم استراتيجيات حروب القرن الحالي؟طوال حروب التاريخ،لم تكن الكنوز الأثرية،ورموز الماضي المقدّسة والفنيّة،على جدول أعمال الهدم والتخريب لدى الغزاة والمتقاتلين.نتحدث عن النسبة والمناسبة،وإلاّ فإن الفجائع الثقافية هي الأخرى لا تحصى. يبقى أن ما نجا من مطاحن الفناء هو عدد النجم والحصى والتراب،الذي ينير آفاق المتاحف في كل أرجاء الأرض،فضلاً عمّا لا تتسع له المتاحف،كالأهرام وسور الصين ومآثر المايا والأنكا…
حتى من غير دراسة متعمّقة ينتهي المتابع إلى أن الهمجية الأحط من الحيوانية،دخلت على الخط كوسيلة وكغاية في آن.النظرية الطارئة على مشاهد الحرب في الألفية الثالثة،لم تعد تكتفي بالقتل والدمار.غدت هذه المناظر«لعب عيال» في نظر جهابذة الاستراتيجية الجديدة.ألسنا على أعتاب عصر الحضارة اللامادّية ومجتمع المعرفة،العالم الحديث الذي يصبح فيه الوعي مبدع إنتاج مادّيّ لا يرقى إليه إنتاج المصانع العملاقة؟مع هذا التحوّل الجبّار اكتشف النابغون في التدمير،أن المعنويّ أولى وأجدر بالإبادة.مفاخر التاريخ التي انتصرت عشرات القرون على رحى الزمن،تكون أشدّ إيلاماً للمستهدف حين يراها باتت أثراً بعد عين.تلك الروائع التي كحّلت عيونها الحجرية بمباهج آشور وبابل وأوجاريت،حين تمسي تراباً تذروه الرياح،يكون وقعها أفتك بالمهج من الصواعق.لهذا أطلت أبالسة الحروب على هذا القرن،بمحرقة المعنويات:أشوّه دينك،أمسخ هويتك،أسحق كل مقوّمات حياتك ووجودك وأمحو ذاكرة ماضيك،فإذا أنت لا حاضر ولا ماض.
كيف اتفق أن يقف عشرات الألوف من المثقفين العرب،بكل ما يمثلونه من إبداع الإنسانية،على أطلال المعنويات،وكأنهم حجارة لم تقتطع من جبل ولا نحتتها أنامل الثقافة؟ حين تتلاشى الأوطان،وتسدل أشباح الخراب عليها ليل الهوان،ويصبح الاستبداد العالمي هو الميزان،فعلى الثقافة السلام.
لزوم ما يلزم:النتيجة العلاجية:الداء فيروس خبيث أصاب الثقافة،لن يكون العلاج إلاّ بمضادّ حيويّ ثقافي.
جريدة الخليج