في يناير 1943 قررتْ نخبة من خيرة مثقفي مصر وأدبائها، آنذاك، يتقدمهم الدكتور طه حسين ومعه عبّاس محمود العقّاد وأنطون الجميل والدكتور فؤاد الصرّاف، إصدار سلسلة الكتب الشهيرة «اقرأ».
وقتها، كانت فكرة سلاسل الكتب جديدة في مصر وبقية الحواضر العربية، مع أن هذا النوع من السلاسل يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، حيث بدأت في الظهور ببريطانيا. وحين رغب البعض، في العالم العربي، في محاكاة هذه التجربة لجأ، ولأسباب تجارية صرفة، إلى إصدار روايات مترجمة بشكلٍ مشوّه ومبتور من الإنجليزية والفرنسية تحت عناوين من نوع «روايات الجيب» وما إلى ذلك.
أبى طه حسن وصحبه أن يظل نصيب القارئ العربي المتعطش إلى المعرفة، محصوراً في هذا النوع مما يسمى أدباً، لذلك دفعوا إلى النور بمشروعهم الطموح الذي استمر في الصدور عقوداً طويلة.
وفي أكتوبر 1974، حين مرّت الذكرى السنوية الأولى لرحيل طه حسين، كان على دار النشر الشهيرة في مصر «دار المعارف»، أن تحيي هذه الذكرى، ليس فقط لأن طه حسين هو طه حسين، بمقامه وأدبه وفكره وعطائه، وإنما أيضاً لسبب آخر مهم، هو أن أول كتاب في سلسلة «اقرأ»، التي تصدرها الدار، كان كتاباً من تأليفه هو «أحلام شهرزاد».
لهذا الكتاب بالذات وضع طه حسين مقدّمة، يجدر بها أن تكون ما يشبه «مانفيستو»، أي سلسلة كتب جادة، لا سلسلة «اقرأ» وحدها، حتى في ظروف اليوم. وفي المقدّمة أعاد عميد الأدب العربي التأكيد على إيمانه بحق الشعب في الثقافة الرفيعة، وبأن القراءة الجادة يجب أن تكون زاداً متاحاً للناس أجمعين.
يومها فكّرتْ تلميذته النجيبة، التي باتت علماً ثقافياً وأدبياً مهماً، الدكتورة سهير القلماوي: كيف يصدر عدد «اقرأ» في يوم ذكرى رحيل طه حسين دون أن يكون هو شخصياً موضوعه؟ كانت القلماوي وقتها منكبّة على إعادة قراءة آثار طه حسين كلها برؤية جديدة، وهذا مشروع كبير يتطلب وقتاً وجهداً، لذلك قررت أن تقطع عملها فيه، وتبذل قصارى جهدها لإصدار كتاب وصفته بالصغير، لكن هذا لا يصح إلا على حجمه، فهو بمثابة مقدّمة فكرية مهمة وعميقة لمعرفة منهج وفكر صاحب هذا العقل الاستثنائي، وأرادت القلماوي لهذا الكتاب أن يكون بمثابة تحية وتكريم لذكرى الرجل الذي يعود إليه الفضل في إنشاء السلسلة.
في الكتاب سارت المؤلفة على الخطى العقلانية، التنويرية لأستاذها الذي نهلت منه الكثير، وكما قالت في مقدّمة الكتاب، التي أخذنا منها بعض المعلومات الواردة أعلاه، وهي تخاطب أستاذها: «لقد حبّبت إلينا في مراحل شبابنا الأولى أبا العلاء المعري بكتاباتك وبتدريسك، وأنا أطمع في أن أحبّب الشباب من طلابنا في أدبك، رغم أن ما يفصلك عن أبي العلاء نحو ألف عام، فيما لا يفصلني عنك إلا عام واحد».
جريدة الخليج