عرف العصر الحديث رجالاً، وبالتأكيد نساء أيضاً، جمعوا بين الإبداع والسياسة عدداً من أشهر الزعماء والقادة كانوا شعراء. بينهم ماوتسي تونج مؤسس الصين الحديثة، وهوتشي منه قائد ثورة الشعب الفيتنامي في معركة الاستقلال. كان للسنغال رئيس شاعر اسمه ليوبولد سينجور، وفي أمريكا اللاتينية أصبح الكاتب رومولو جاليجوس رئيساً لفنزويلا فترة.
هذه أمثلة ساقها شاعر تشيلي الكبير بابلو نيرودا، وهو من لم تحل انشغالاته السياسية دون عطائه الشعري الذي حمله إلى جائزة نوبل للآداب.
أوشك نيرودا نفسه أن يكون رئيساً لتشيلي في مطالع سبعينات القرن العشرين حين ترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه، وفي إطار تفاهمات القوى اليسارية في بلاده، سحب ترشيحه لصالح سلفادور الليندي الذي فاز فعلاً بالرئاسة، وأطيح به في الانقلاب العسكري الذي دبره هنري كيسنجر ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي. آي. إيه» ونفذّه الجنرال بونشيت الذي أحال البلاد إلى حمام دم غداة الانقلاب.
لم يكن نيرودا قد سحب ترشيحه بعد حين سأله محاوره عما إذا كان سيستمر في الكتابة في حال انتخابه رئيساً لتشيلي فأجاب: «الكتابة عندي هي كالتنفس. لا أستطيع العيش دون تنفس.. دون الكتابة».
«بابلو نيرودا» ليس اسمه الحقيقي. عندما كان فتى صغيراً كان والده منزعجاً من رغبة ابنه في الكتابة لأسباب وصفها الشاعر بأنها عائلية، لذلك ارتأى أن يكتب باسم مستعار. كان قد قرأ قصة قصيرة للشاعر التشيكي جان نيرودا في كتابٍ له جمع قصصاً عن الناس المتواضعين في أحد أحياء براغ، لذا لا يستبعد أن يكون ذلك في خلفية اختياره لاسمه الجديد، الذي جعل التشيك يعتبرونه واحداً منهم.
لأن الحوار أجري مع نيرودا في بيتٍ له يقع على بعد ساعتين من السفر بالسيارة عن العاصمة سانتياجو، فإن المحاور لاحظ كثرة الأنتيكات والخردوات التي حرص الشاعر على تأثيث بيته بها. من أجل ذلك كان يطوف بالمحال التي تبيع هذا النوع من المقتنيات.
شأن نيرودا شأن كل الشغوفين باقتناء هذا النوع من التحف والتذكارات. كل واحد منها حين يصبح في منازلنا يحملنا على تذكر المكان الذي أحضرناه منه، أو المناسبة التي تربطنا به. لكل تذكار حكاية جديرة بأن تروى.
في غرفة الطعام ببيت نيرودا كان ثمة تمثال نصفي للمغامر الإنجليزي مورجان. تاجر الأثاث في باريس لم يكن يرغب في بيعه له، ولكن عندما عرف أنه من تشيلي سأله إذا كان يعرف بابلو نيرودا، ولكم تخيّل بقية الحكاية
جريدة الخليج