كان بابلو نيرودا (1904 – 1973) أهم شاعر في تاريخ التشيلي، وأحد أهمهم في اللغة الإسبانية. واعترف العالم أجمع بمكانته عندما أُعطي «نوبل الآداب» (1971). من التشيلي أيضاً برزت في القرن الماضي أشهر روائية في البلاد، وفي القارة اللاتينية: إيزابيل الليندي.
عندما كان هو شاعراً، عالمي السمعة والأثر، كانت هي لا تزال صحافية تصارع الدرب الوعر. وحسب قولها، صحافية فاشلة لا تساوي شيئاً ولا تعد بشيء. لكنها كانت تريد مهنة تعيش منها، وتعدّل حياتها البائسة. وقد بدأت تعاستها يوم خرج والدها، وهي طفلة في الرابعة، لكي يشتري علبة سجائر. ولم يعد. وعاشت مع أمها وشقيقيها في منزل من غرفة واحدة.
في الوقت نفسه كانت تحمل اسم عائلة شهيرة في البلاد. فالرئيس سلفادور الليندي، الذي سينتحر فيما بعد، كان ابن عم والدها. فكرت إيزابيل وهي تتأمل فشلها المهني المتراكم، أن أفضل ما تفعله هو أن تطلب مقابلة مع بابلو نيرودا. شاعر الوطن. شاعر الأمة الغارقة مثلها في العذاب والتشتت. طلبت موعداً. استقبلها بابلو المريض قبل 11 يوماً من وفاته.
أقام لها في منزله المطل على البحر غداءً تقليدياً من السمك والمحار والخبز بالثوم. وتنوعت الأحاديث. وطال وقت المأدبة. وفي النهاية جمعت شجاعتها، وقالت: «دون بابلو. أرجو أن تسامحني. لكننا تحدثنا في كل شيء إلا الموضوع الذي جئت من أجله. لقد تأخر الوقت، ولا بد أن أعود إلى سانتياغو قبل الغروب. إنني هنا لإجراء مقابلة معك لمجلتي».
أزاح بابلو كرسيه إلى الوراء، وقال في غضب: «مقابلة؟ أي مقابلة؟ لن أجري معك أي مقابلة. أنت أسوأ صحافية في هذا البلد. إنك تكذبين دائماً وتتخيلين ولا تقولين الحقيقة، ولو بالخطأ. فضولية تحشرين أنفك في كل شيء. وتختلقين كل شيء. هذا طبع غير قادر على أن يضبط نفسه ويكون موضوعياً. الصحافة مهنة حقائق ووقائع. لماذا لا تنصرفين إلى الأدب، حيث تتحول كل هذه العيوب إلى ميزات. كونك قريبة الرئيس وصديقته لن يفيدك في شيء».
فيما هي عائدة إلى العاصمة، أوقفت سيارتها إلى جانب الطريق، ثم هتفت لنفسها «اليوم هو يوم ولادتي يا دون بابلو». وبدأت إيزابيل الليندي مسيرتها لتصبح أشهر روائية في بلادها، ولكن منذ 1973 والانقلاب العسكري، عاشت حياتها في المنفى. أولاً في فنزويلا، وبعدها في لوس أنجليس مع زوجها الثاني. زوجها الأول كان قد خرج لشراء علبة سجائر
جريدة الشرق الاوسط