لا أعرف مثقفا مصريا أو عربيا زار الكويت لأجل المشاركة فى حدث ثقافى أو فنى ولم يتعرف على محمود حربى أو أبو شريف المصرى الشهم الذى عمل مسئولا إعلاميا بالمجلس الوطنى للثقافة والفنون هناك لمدة تقارب الأربعين عاما قدم خلالها نموذجا مثاليا لمن يتفانى فى عمله استنادا على وعى قومى بقيمة الثقافة كأداة للتواصل بين المثقفين العرب.
وأخيرا قرر عم محمود ــ كما أناديه ــ التقاعد بعد استنفاد سنوات التجديد ولهذا السبب تمتلئ صفحته على مواقع للتواصل الاجتماعى بالكثير من الصور التى توثق لحفلات تكريمية أقيمت له من رموز وإعلام فى الثقافة الكويتية وتيارها القومى ولم يكن مدهشا لى أن كل المسئولين فى الكويت ظلوا يجددون لحربى فى منصبه إيمانا بالدور الذى ظل يلعبه عن قناعة فى مد جسور التواصل بين البلدين، فحين غادر حربى مصر للكويت أواخر السبعينيات كان شابا من شباب التيار القومى الناصرى الذى بدأت سنوات معاناته مع السادات ولما وصل للكويت كانت فى عز ازدهارها منارة للفكر القومى، مليئة بقامات ثقافية وفكرية مولعة بجمال عبدالناصر وبأفكاره التى تبناها حربى ومجايليه الذين صاروا الآن إعلاما لتيار عريض مد نفوذه فى عالمنا العربى كله.
ورغم سنوات الغربة ظل حربى قابضا على جمر فكرته ووجد فى عمله الصحفى والمؤسسى مجالا للانتقال بالفكرة لموضع الممارسة وبقى شغوفا بالدور الذى يمكن للثقافة أن تلعبه لتفادى أزمات السياسة.
مارس حربى دوره بالتواضع الجميل والحضور الطيب الخالى من أى ادعاء وأخلص لانتمائه للكويت فى سنوات مجدها وفى المحنة التى كسرت حضور الفكرة القومية وضربتها فى مقتل وبقى على شهامته المصرية التى دفعت به لموضع الصدارة كممثل للدبلوماسية الشعبية وعمود للجالية المصرية الكبيرة فى الكويت ومصدر الثقة بين مختلف الأطراف وعلى كثرة زياراتى للكويت لم أعرف مصريا نال ثقة أهل الكويت مثل حربى الذى دخل البيوت والديوانيات مجللا بالثقة والتقدير فقد تعامل مع قامات ثقافية مثل سليمان العسكرى ومحمد الرميحى ومحمد السنعوسى وغيرهم ونال ثقة الجميع وهى مسألة نادرة فى الخليج الذى يفقد فيه البعض إنسانيتهم لأجل لقمة العيش وشروطها القاسية
وفى محطة اختارها ليستريح يستحق أبو شريف أن نقول له شكرا على ما فعلت لأجل الثقافة العربية والمصرية التى كنت ذكيا فى تأكيد حضورها وريادتها دون تبنى مواقف شوفينية فجة أو خطابات عنصرية بغيضة وأخيرا ينبغى عليك أن تفكر فى كتابة خبرة عملك واغترابك فى كتاب يصلح دليلا للعمل ومؤشرا لقياس تغييرات كثيرة حكمت علاقة للمصريين ببلد أحبوه، كتاب يصلح كشهادة على صعود وهبوط الفكرة القومية وبطاقة عن حالة نموذجية للغربة التى كانت حافلة بالأثمان الصعبة.
جريدة الشروق