كما ذكرت سابقاً بالنسبة لمطبات الحياة المسرحية ورقابتها، على المؤلف والمخرج الحكيمين أن يتحاشيا عرض مواقف دينية أو قومية حساسة تثير عواطف الجمهور وتسبب هيجاناً واعتراضاً داخل القاعة، بل وخارجها أحياناً. يظهر أن المؤلف الآيرلندي الكبير شون أوكيسي لم يلاحظ ذلك، أو قل لاحظ ذلك، لكن معتقداته وأفكاره الوطنية والاشتراكية حركته للمغامرة والتحدي.
في عام 1926 عرض على المسرح الشهير في مدينة دبلن، مسرح الآبي ثياتر، مسرحيته الشهيرة «المحراث والكواكب» التي تعرضت للانتفاضة الدامية في تاريخ آيرلندا، انتفاضة عيد الفصح التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى وأدت إلى مقتل الكثير من المتظاهرين الآيرلنديين الكاثوليك الذين كانوا يطالبون بالاستقلال لآيرلندا وطرد الاستعمار البريطاني. وكان وما زال ذلك الحدث، انتفاضة عيد الفصح، يثير عواطف كل الآيرلنديين. ما أن طرح المؤلف على المسرح أحداث تلك الانتفاضة وما تخللها من شعارات ومناقشات حتى اغتلت عواطف المشاهدين. ولم يتمالكوا ضبط أنفسهم وعواطفهم في الليلة الرابعة من تقديم المسرحية.
ولسوء الحظ أن الكاتب شون أوكيسي كان من رواد التفكير الاشتراكي السلامي هناك، وحاول تقديم وجهات النظر المختلفة للنزاع. وحالما رأى المشاهدون وسمعوا حوار المؤلف وشاهدوا الممثلين يرفعون العلم الآيرلندي الوطني فوق خشبة المسرح حتى فقدوا أعصابهم وتدفقوا نحو المسرح واعتلوا خشبته، وهجموا على بعض الممثلين وتفجرت معركة بين النظارة والفرقة. وانشق الجمهور إلى مؤيدين لطروحات المؤلف من ناحية والمعارضين المتطرفين ضدها من ناحية أخرى، فجّرت معركة بين المؤيدين والمعارضين داخل القاعة لم يخمد أوارها حتى استنجدت إدارة المسرح بالشرطة الإنجليزية فاستعملت القوة وأخرجت النظارة من القاعة بالهراوات. فلم يجرؤ المؤلف شون أوكيسي على مواجهة الجمهور ومحاولة محاورتهم وتهدئتهم بطرح أفكاره السلامية المعتدلة.
فرقوا النظارة وألقوا القبض على بعض المحركين والمحرضين. أغلقت الإدارة المسرح وتوقفت عن عرض المسرحية حتى تم التشاور مع الشرطة والسلطات البريطانية بحيث تم تقديم المسرحية كل ليلة بعد ذلك، لكن بحراسة وحدة من الشرطة البريطانية.
وقد تحملت إدارة المسرح الشهير تكلفة باهظة في تصليح المكان واستبدال الكراسي المحطمة وإعادة كل شيء إلى حالته الكلاسيكية القديمة. وقد شاهدت هذه المسرحية «المحراث والكواكب» في لندن. ولا أعرف ما إذا كان مسرح «الآبي ثياتر» الشهير يجرؤ على تقديمها في دبلن الآن. فما زالت العواطف والمواقف البروتستانتية والكاثوليكية مستحكمة في نفوس الآيرلنديين، تتفجر بين الفينة والفينة، وتؤدي إلى مقتل بعض الأبرياء. بيد أن حوادث تلك الليلة الرابعة في مدينة دبلن خلدت في صحف التاريخ المسرحي لآيرلندا وإنجلترا.
جريدة الشرق الاوسط