«أستحلفك بالله أن تنشرها.. أرسلها لغيرك.. لا تجعلها تقف عندك». تستفزني الرسائل التي تنتهي بمثل هذه العبارات، وأعتبر هذا نوعاً من الإرهاب، لأن الذين يستخدمونها يستغلون العاطفة الدينية لدى الذين يرسلونها إليهم، ويوحون إليهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، أنهم سيأثمون لو تجاهلوا طلبهم فلم يرسلوا الرسالة بعد قراءتها إلى غيرهم كي تعم الفائدة، ويكون لهم الأجر والثواب لأنهم ساهموا في نشرها.
بداية أقول إننا لسنا ضد نشر الخير، لكننا في الوقت نفسه ضد استغلال عواطف البشر، أيًّا كان نوع هذه العواطف، وضد الضغط عليهم من خلال هذه العواطف، حتى لو كانت المقاصد نبيلة. ولهذا فإن المزايدة على عمل الخير ونشره مرفوضة منذ البداية، فالذي يريد أن ينشر الخير لن يُعدَم وسيلة لذلك، في حين أن استغلال عواطف البشر، والدينية منها على وجه الخصوص، ربما يؤدي إلى نشر رسائل فيها من السم ما يغلب على الدسم.
وهناك الكثير من الكلام الذي يمكن أن يقال حول الذين يصوغون رسائلهم بطرق ذكية، يضعون داخلها ألغاماً كثيرة يمكن أن تنفجر في المجتمع وتفجره وتحوله إلى أشلاء مبعثرة، قبل أن يتم اكتشاف هذه الألغام وتفكيكها وإبطال مفعولها.
وكي لا نقع في المحظور، فيبرز لنا من يقول إننا نحرم حلالاً أو نحل حراماً، أو أننا نعرف بما لا نعرف، ونفتي ونحن لسنا من أهل الفتوى، نقول إننا لا ندعي هذا، وإن هناك فتوى شرعية صادرة من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، تقول إن الرسائل الدينية التي انتشرت بواسطة مواقع التواصل الإجتماعي والهاتف الجوال، ومكتوبٌ فيها: انشر.. لا تجعلها تقف عندك.. بذمتك.. أمانة.. أو ستسمع خبراً ساراً.. أو لتكسب حسنات… وغيرها من هذه الأساليب المستحدثة، إنما هي بدعة. وتوجه الفتوى، التي أصدرتها هيئة الفتاوى، وعلى رأسها سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة، وعضو الهيئة الشيخ الدكتور عبدالله المطلق، أنه إذا وصلت أحدنا مثل هذه الرسائل فعليه الاكتفاء بقراءتها وحذفها.
كما لا يجوز إرسال الرسائـل التي تدعو إلى حملات، كحملة الصلاة على النبي وغيرها، والتي تتضمن عبارات مثل «انشرها بقدر حبك له» ونحو ذلك، وكذلك حملة الإستغفار، والرسائل التي تحتوي على جمل تقول إنك إذا لم تقدر على نشرها فاعرف أن ذنوبك مثقلة عليك، أو اعرف أن الله غنيٌ عنك، أو انشرها وستسمع خبرا حلوا، أو أي شي من هذا القبيل، فهذه كلها بدع، مثلها مثل عبارة «انشر تؤجر» التي كثيرا ما يستخدمها مرسلو هذه الرسائل. كل هذا بنص فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وليس من عندنا نحن، كي لا يتقول علينا أحد بأننا نتصدى للفتوى.
نحن لا نشك في نبل مقاصد أغلب الذين يرسلون هذه الرسائل، خاصة أولئك الذين يتلقونها ويعيدون إرسالها بحسن نية من خلال مجموعات الواتس آب أو إلى أصدقائهم ومعارفهم مباشرة، دون أن يقرؤوا مضامينها ويعرفوا محتواها، أو يعرفوا مصادرها ويتأكدوا من أنها موثوقة أو غير مغرضة، لكن النوايا الطيبة ليست كافية عندما يتعلق الأمر بإرسال رسالة قد تحتوي على مضمون له آثار ضارة، فالطريق إلى جهنم، كما يقال، مفروش بالنوايا الطيبة.
أرسل لي أحد الأصدقاء، قبل فترة، مقالا يدغدغ عواطف المواطنين العرب، لكاتبة عاشت فترة من حياتها في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قبل أن تنتقل إلى قطر، وهي تعيش الآن في تركيا. هذه الكاتبة لها مقالات يقطر فيها قلمها سماً وحقداً على الإمارات والسعودية، وهي تعترف بأنها تلقت دورة تدريبية مكثفة في قناة «الجزيرة» القطرية.
وقد أقسمت في مقال نشرته وكالة «الأناضول» التركية أن آخر راتب في حياتها تسلمته كان من وقت بعيد، في إشارة منها أنها لم تكن تتقاضى رواتب في الدول العربية الثلاث التي عاشت فيها. هذه الكاتبة من أشد المعجبين بمستشار حكومة قطر عزمي بشارة، وقد كتبت قصيدة تمجده فيها، أنهتها بالقول: «هذا هو ابن عمي عزمي بشارة».
كما أنها من أشد المتحمسين لجماعة «الإخوان المسلمين»، ومن الداعين إلى إعادة الخلافة العثمانية. وعن داعش تقول إن «المسلم الموحّد المؤمن بما جاء في القرآن الكريم، ليس له خيار في التعاطف مع داعش». وتزيد على ذلك: «داعش هي الإسلام، لا نريد أن يبقى الإسلام حرًا يقرر فيه المسلمون ما هو الإسلام، بل نحن من يقرر لهم ما هو الإسلام».
سألت صديقي الذي أرسل المقال، وأنا أعلم أنه لا يحمل شيئاً من أفكار كاتبة المقال وتوجهاتها، إن كان يعرف الكاتبة التي أرسل لي مقالها، أو يعرف الأفكار التي تدعو إليها، فأجاب بالنفي، قائلاً إن المقال وصله من صديق، وإنه قام بإعادة إرساله إلى أصدقائه ومعارفه من باب نشر الفائدة! هنا وجدت نفسي مضطراً إلى تعريفه بالكاتبة، قائلاً له إنه حتى لو كان هذا المقال يبدو بريئاً ومغرياً بالقراءة، لأنه يدغدغ عواطف الغيورين على الأمة العربية، إلا أن من يقرأه سيقوم بالبحث عن مقالات الكاتبة الأخرى، وهنا سيتجرع السم الذي تنفثه، ويتأثر بالأفكار التي تنشرها، مدفوعة من قبل الدول والجهات التي تقف خلفها وتدفع لها، حتى لو أنكرت ذلك ونفته.
«لاتجعلها تقف عندك» عبارة خادعة، لا تستجب لها مدفوعاً بعاطفتك. اجعل هذه الرسائل تقف عندك.
جريدة البيان