في مذكراته «التاريخ الذي أحمله على كتفي»، يروي عالم الاجتماع المصري الشهير الدكتور سيد عويس أنه سمع قرار إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية من الراديو، بالصوت الجهوري للأستاذ يوسف وهبي. والواقع أن وهبي كان عريف حفل أضواء المدينة المنقول على الهواء، بمناسبة العيد الأول للثورة. وانتقل الميكروفون إلى دار الإذاعة لقراءة نشرة أخبار الحادية عشرة مساء، حيث أُذيع الخبر. ولما عاد الميكروفون إلى الحفل، كان قد حلّ دور المطرب الصاعد عبد الحليم حافظ للصعود على المسرح، وقدّمه يوسف وهبي قائلاً: «مع ميلاد الجمهورية يولد صوت جديد».
يسمّي العراقيون يوليو (تموز) شهر الثورات. وفي منتصفه، أي في مثل هذه الأيام الساخنة، انقلب الجيش على الحكم الملكي وأعلنت الجمهورية. مرّت على البلد ثلاث تسميات في فترة تقل عن مائة سنة: مملكة العراق. الجمهورية العراقية. ثم العراق المُحتل. سمعنا آباءنا يقارنون ما حدث عندنا بما حدث في مصر. قالوا إن المصريين لم يقتلوا أفراد العائلة المالكة ولم يسحلوا أياً منهم في الشوارع. بل تركوا الملك فاروق يغادر البلاد على متن اليخت الملكي «المحروسة»، اليخت ذاته الذي رحل عليه جدّه الخديوي إسماعيل بعد عزله عن الحكم. وأطلقت المدفعية 21 طلقة في وداعه.
في كتابه «كنت رئيساً لمصر»، يتذكر محمد نجيب أنه حضر وداع فاروق مع بعض الضباط. ولاحظ نجيب أن الضابط جمال سالم كان يحمل عصاه تحت ذراعه فقال له: «أنزل عصاك أنت في حضرة ملك». لكن قمقم الضباط الأحرار في القاهرة كان قد انفجر ووصلت تردداته إلى دول عربية أخرى. وكان نجيب أول ضحاياه. أجبره رفاقه في مجلس قيادة الثورة على الاستقالة. ألزموه وأسرته الإقامة الجبرية في قصر المرج، المنزل الذي كان لزينب الوكيل، زوجة النحاس باشا. منعت عنه الزيارات وشُطب اسم أول رئيس لجمهورية مصر من الوثائق ومُنع من الظهور طوال 30 عاماً. تصوّر كثيرون أنه مات. وكانت الكتب تشير إلى أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر.
مرت السنوات وذهب ناصر وجاء السادات. وقرر رفع الإقامة الجبرية عن نجيب مع بقائه ممنوعاً من الظهور الإعلامي. بقي في العتمة حتى انطفائه في صيف 1984. ولتسلية نفسه كان يربّي القطط والكلاب ويعتبرها أكثر وفاءً من البشر. ولما نفق أحد كلابه دفنه في الحديقة وكتب على حجر: «هنا يرقد أعزّ أصدقائي». خلال ذلك أشاعوا أنه مات. وسمع نجيب بأذنيه خبر وفاته من الإذاعات العالمية. لكن القدر كان يواصل لعبته. عاد اسمه إلى الظهور في عهد الرئيس مبارك. وأعيدت لأسرة محمد نجيب أوسمته العسكرية ومُنحت لها قلادة النيل. وكان الرجل قد كتب في مذكراته: «قال لي السادات أنت حر طليق. لم أصدّق أنني أستطيع الخروج دون حراسة والكلام في الهاتف دون تنصت».
حديث الأسبوع الماضي كان عن أسماء الشوارع التي تتغير بزوال أصحابها، أو بقرار من فوق. هناك دائماً من يخاف من أشباح الماضي. والجامعة المصرية تحولت إلى جامعة فؤاد الأول. وفي صيف 1953 صدر مرسوم بتعديل اسمها إلى جامعة القاهرة. لكن ما حدث مع نجيب يبقى استثنائياً. طالب ورثة زينب الوكيل بالقصر الذي حبسوه فيه فخصصت له الدولة منزلاً في حي القبة في القاهرة. عاش فيه سنة ومات. واليوم، هناك محطة للمترو في القاهرة تحمل اسمه، وميدان في الإسكندرية. أما في بغداد فقد تغيّرت شوارع وجسور وكُليّات كانت تحمل أسماء الملكة عالية وفيصل وغازي. يذهبون وتذهب أسماؤهم.
يسمّي العراقيون يوليو (تموز) شهر الثورات. وفي منتصفه، أي في مثل هذه الأيام الساخنة، انقلب الجيش على الحكم الملكي وأعلنت الجمهورية. مرّت على البلد ثلاث تسميات في فترة تقل عن مائة سنة: مملكة العراق. الجمهورية العراقية. ثم العراق المُحتل. سمعنا آباءنا يقارنون ما حدث عندنا بما حدث في مصر. قالوا إن المصريين لم يقتلوا أفراد العائلة المالكة ولم يسحلوا أياً منهم في الشوارع. بل تركوا الملك فاروق يغادر البلاد على متن اليخت الملكي «المحروسة»، اليخت ذاته الذي رحل عليه جدّه الخديوي إسماعيل بعد عزله عن الحكم. وأطلقت المدفعية 21 طلقة في وداعه.
في كتابه «كنت رئيساً لمصر»، يتذكر محمد نجيب أنه حضر وداع فاروق مع بعض الضباط. ولاحظ نجيب أن الضابط جمال سالم كان يحمل عصاه تحت ذراعه فقال له: «أنزل عصاك أنت في حضرة ملك». لكن قمقم الضباط الأحرار في القاهرة كان قد انفجر ووصلت تردداته إلى دول عربية أخرى. وكان نجيب أول ضحاياه. أجبره رفاقه في مجلس قيادة الثورة على الاستقالة. ألزموه وأسرته الإقامة الجبرية في قصر المرج، المنزل الذي كان لزينب الوكيل، زوجة النحاس باشا. منعت عنه الزيارات وشُطب اسم أول رئيس لجمهورية مصر من الوثائق ومُنع من الظهور طوال 30 عاماً. تصوّر كثيرون أنه مات. وكانت الكتب تشير إلى أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر.
مرت السنوات وذهب ناصر وجاء السادات. وقرر رفع الإقامة الجبرية عن نجيب مع بقائه ممنوعاً من الظهور الإعلامي. بقي في العتمة حتى انطفائه في صيف 1984. ولتسلية نفسه كان يربّي القطط والكلاب ويعتبرها أكثر وفاءً من البشر. ولما نفق أحد كلابه دفنه في الحديقة وكتب على حجر: «هنا يرقد أعزّ أصدقائي». خلال ذلك أشاعوا أنه مات. وسمع نجيب بأذنيه خبر وفاته من الإذاعات العالمية. لكن القدر كان يواصل لعبته. عاد اسمه إلى الظهور في عهد الرئيس مبارك. وأعيدت لأسرة محمد نجيب أوسمته العسكرية ومُنحت لها قلادة النيل. وكان الرجل قد كتب في مذكراته: «قال لي السادات أنت حر طليق. لم أصدّق أنني أستطيع الخروج دون حراسة والكلام في الهاتف دون تنصت».
حديث الأسبوع الماضي كان عن أسماء الشوارع التي تتغير بزوال أصحابها، أو بقرار من فوق. هناك دائماً من يخاف من أشباح الماضي. والجامعة المصرية تحولت إلى جامعة فؤاد الأول. وفي صيف 1953 صدر مرسوم بتعديل اسمها إلى جامعة القاهرة. لكن ما حدث مع نجيب يبقى استثنائياً. طالب ورثة زينب الوكيل بالقصر الذي حبسوه فيه فخصصت له الدولة منزلاً في حي القبة في القاهرة. عاش فيه سنة ومات. واليوم، هناك محطة للمترو في القاهرة تحمل اسمه، وميدان في الإسكندرية. أما في بغداد فقد تغيّرت شوارع وجسور وكُليّات كانت تحمل أسماء الملكة عالية وفيصل وغازي. يذهبون وتذهب أسماؤهم.
جريدة الشرق الأوسط