من الأقوال المنسوبة للساخر الكبير الراحل محمد الماغوط، في رد على سؤال عن سبب انتسابه وهو شاب للحزب القومي السوري الاجتماعي، على الرغم مما عُرف عنه لاحقاً من تعالٍ على السياسة اليومية وازدرائها، وبأن مجاله الحيوي هو الإبداع وحده، قوله: إنه لفقره كان خلال صباه يلجأ إلى مكاتب الأحزاب ليتدفأ، وكانت بمقر الحزب القومي السوري في مسقط رأسه: السلمية «صوبيا» المدفأة التي تقي من برد الشتاء، ولم تتوفر لغيره من الأحزاب، فانتسب إليه بحثاً عن الدفء.
هذا القول للماغوط يجب ألا يؤخذ بحرفيته، فمن عرفوا الشاعر يتذكرون أن حماسته المفرطة للحزب في أواخر خمسينات القرن الماضي، ورّطت هذا الحزب في دعاوى قضائية وطلبات تعويضات مالية، بسبب حملات الماغوط الشديدة السخرية على خصوم الحزب، كما أن السجلات الأدبية وذاكرة من عرفوه في الحزب، تذكر أن حماسته كانت كما قال أحدهم بحاجة «إلى ثلاجة» لا إلى مدفأة.
وقد هرب الماغوط إلى لبنان بعد مطاردة السوريين القوميين، إثر اغتيال العقيد عدنان المالكي في دمشق عام 1954. وفي لبنان استمر في المعارك القلمية مع خصوم الحزب، وكتب ما يعتبره بعض النقاد من أفضل نتاجه الشعري وسخريته، إن لم يكن أفضله على الإطلاق. ومن ذلك قصائد «حزن في ضوء القمر».
الأجدر أن الماغوط بهذا القول أراد أن يسخر من ظاهرة سائدة في الحياة السياسية العربية، وهي ظاهرة «الاستزلام» والانتفاع التي تطبع سلوك شرائح ليست قليلة العدد من الطامعين في منافع، حين يقبلون على الانخراط في الأحزاب، حين تكون في السلطة، ويبذلون كل ما استطاعوا من جهد ويأتون ما أمكن لهم من حيل، كي يتدرجوا سريعاً في المراتب الحزبية، وعياً منهم بأن هذا هو أقصر وأضمن الطرق لنيل الغنائم.
وهذا ما تمكن ملاحظته في البلدان التي حكمتها أو تحكمها أحزاب شمولية، أكانت ذات وجه قومي أو علماني كحزب البعث مثلاً، أو جبهة التحرير الوطني في الجزائر، أو الحزب الدستوري التونسي في عهدي بورقيبة وابن علي، أو ذات الوجه الإسلامي كحزب الدعوة في العراق، والجبهة الإسلامية في السودان، وحركة النهضة في تونس، وغيرها.
غاية محمد الماغوط إن أخذنا قوله على محمل الجد لا تتجاوز الرغبة في نيل بعض الدفء في برد الشتاء السوري، فيما غاية المتزلفين للأحزاب الحاكمة نيل المنافع الكبرى: الوظائف والعقارات، داخل وخارج الأوطان، وأساطيل السيارات وما إلى ذلك.
جريدة الخليج