قليلة هي المرات التي شاهدنا فيها محمود درويش في حوار تلفزيوني فيما ظل حضوره الأبرز في الشاشة الصغيرة تسجيلات لأمسياته الشعرية في هذه المدينة أو تلك وفي حضور جمهور كبير قرأ له الشاعر الراحل في مدينة رياضية للمرة الأولى في دمشق. عزوف الشاعر الراحل عن الحضور خارج الشعر يعيدنا لتجربتين مماثلتين لسيدة الغناء العربي أم كلثوم والكبيرة فيروز.
هو نأيٌ رأى فيه الثلاثة نشاطاً زائداً عن الحاجة وعن جوهر العلاقة التي تجمعهم بجمهورهم، وهي علاقة تأسست على إبداعهم الفني ولم تكن في أية مرحلة تحتاج سنداً من أي نوع يأتيها من خارج ذلك الإبداع.
درويش في حواراته التلفزيونية القليلة والمتباعدة زمنياً أراد صياغة معادلة حضوره في وعي الناس على جاذبية الشعر وجمالياته الفنية ونحن اليوم نتذكر بالكاد حوارات قليلة لعل أبرزها الحوار الغني الذي أدارته الروائية الأردنية ليلى الأطرش وعرضه تلفزيون قطر في السبعينات وأعادت تقديم تسجيل له على صفحتها في «فايسبوك» أخيراً، وفيه حيوية حضور الشاعر والشعر مثلما فيه حضور انتباهات ذكية وعميقة للمحاورة.
صخب التلفزيون لا يليق بالشاعر وشعره؟
سألته مرة فقال: ليس صخب التلفزيون بل صخب عاداته التي تشكلت في حمى الإعلان ونأت به غالباً عن الجدية. مع ذلك حضر محمود درويش في التلفزيون بعد رحيله من خلال عمل درامي تناول حياته ولم يحقق نجاحاً يذكر. بل لم يلامس شخصيته الحقيقية التي بدت على الشاشة غريبة لا تشبهه في شيء لتظل الحاجة لدراما تتناول حياته وتجربته الشعرية حاضرة شرط أن تنجح الكتابة الدرامية في التقاط الخيط الذي يربط تلك التجربة الشعرية الكبرى بتراجيديا الشعب الفلسطيني التي ارتبطت بها وأبدعت في التعبير عن فداحتها.
نعود اليوم لـ «يوتيوب» لأشرطة أمسياته وندواته الشعرية، فهي حضوره الأجمل والأهم وفيها تنحاز الصورة لوهج الشعر إذ يحلق في آفاق الإبداع ويؤسس لنفسه فضاء لا يذبل ولا يبتعد لأنه لامس الحياة من حدقة المخيلة الغنية والرؤية العميقة فحقق الدهشة.
جريدة الحياة