استمتعتُ بقراءة مقال شائق للأديبة السورية د. شهلا العجيلي نشرته صحيفة «اليوم السابع»، وأعاد نشره حساب مؤسسة سلطان العويس على منصة «تويتر»، حيث اطلعتُ عليه هناك.
عتوان المقال «مع نجاة.. ألبوم لتاريخ خاص»، وهو يتحدث عن تجربتها، مذ كانت طفلة، في التعرف إلى أغاني نجاة الصغيرة. والدكتورة شهلا وُلدت في بيئة وعائلة مثقفتين، نمّت عندها موهبة الأدب والكتابة، فأصبحت اليوم واحدة من الروائيات العربيات المعروفات، إضافة لما أصدرته من دراسات نقدية.
نشأت الكاتبة في مدينة الرقة على نهر الفرات. كان ذلك في زمن آخر غير هذا الزمن، يوم كانت الرقة «رقة» فعلاً، قبل أن يأتي زمن أسود يستبيحها فيه الدواعش، ويجعلون منها عاصمة لدولتهم المشبوهة، جينات وولادة ومنشأ، فيفسدوا أجواء المدينة، ويُنكلوا بأهلها، ويرتكبوا فيها من الجرائم والموبقات مما بات معروفاً، وما لم يعرف بعد، قبل أن يتسببوا في تدميرها بعد معارك إجلائهم منها.
تذكر الدكتورة شهلا أن الفضل في تعرفها إلى أغاني نجاة الصغيرة، يعود إلى سيدة مسنة، كانت جارتهم، تدعى لُطفية، حيث نشأت وهي تسمع عن حكاياتها التي كان الكثير منها موضوعاً للتندر. ومن تلك الحكايات سمعت أنّها في أيّام صباها وقعت في خلاف مع زوجها، فذهبت، غاضبة، إلى بيت أهلها الملاصق لبيتها، وفي أيّام الغضب تلك صعدت إلى السطح لتنشر الغسيل، وفيه حوائجها وأثوابها وكانت تغنّى مع كلّ قطعة على حبل الغسيل: «حتّى فساتيني التي أهملتها/ فرحت به، رقصت على قدميه/ سامحته، وسألت عن أخباره/ وبكيت ساعات على كتفيه».
قيل إن الزوج سمعها تغني فرّق قلبه عليها، وذهب في المساء لمصالحتها، لكنّها رفضت الخروج إليه، وقالت لأمّها وهي تعرّض به، وتسمعه صوتها: «أيظنّ أنّى لعبة بيديه/ أنا لا أفكّر في الرجوع إليه!».
كانت «العمة لطفية»، على ما تروي الكاتبة، امرأة أمية، نشأت في بيئة محافظة، ولكنها، رغم ذلك، أجادت توظيف أغاني المطربة التي تحب، في التعبير عن مشاعرها، وإبلاغ ما تشاء من الرسائل لمن يهمه الأمر، وفي مقدمتهم بالطبع الزوج، الحائرة في ما إذا كانت ستسامحه، كما في كلمات أغنية نجاة، أو أنها لا تفكر في «الرجوع إليه».
هذا السرد الشائق يحرضنا جميعاً على التفكير في «ألبوم تاريخنا الخاص»، في علاقتنا بالأغاني. ما من أحد منا نجا من أسر أغنية ما أو مجموعة أغان في مراحل مختلفة في حياته. لا كاتب كلمات الأغنية ولا ملحنها ولا من غناها عاش تجربتنا الخاصة، ولكننا نشعر بأن هذه الأغنية، أو الأغاني، تعبر عن حالنا، عما يختلج في أفئدتنا من مشاعر في تلك الفترة، أكانت غراماً في أوج توهجه، أو شوقاً مبرحاً لحبيب أو قريب غاب، أو انكساراً من خيبة انتهينا إليها.
كأن الأغاني، من حيث لا يعلم واضعوها، تحكي حكايانا.
جريدة الخيلج