يحدث أن يرى القارئ، خاصة إذا كان مثقفاً ونابهاً، أفقاً لم يكن الأديب يعيه، أو فلنقل للدقة، لم يكن يدركه وهو يكتب نصه. تلك آية النص الأدبي الجيد المفتوح على تأويلات مختلفة.
حدث هذا مع المحرر الثقافي في أسبوعية «أخبار الأدب» حسن عبد الموجود، الذي قرأ بعناية المجموعة القصصية الجديدة للأديب المصري البارز أحمد الخميسي «ورد الجليد»، قبل أن يذهب لإجراء حوار معه، نشرته الصحيفة في عددها الأخير، حيث استوقفه أن أبطال معظم قصص المجموعة هم من المسنين.
حمله هذا على توجيه السؤال التالي للخميسي: «لماذا سيطر كبار السن على تلك المجموعة.. هل تريد القصص أن تفهم ما يفعله الزمن بالإنسان فى لحظة متأخرة؟».
في الجواب قال الخميسي إن الفكرة لم تطرأ على باله، لكنها قد تكون «كامنة في اللاوعي. سؤالك يثير الأسئلة فقط وما من إجابة. هل سيطر كبار السن على المجموعة لأنني شخصياً أخذت أشعر بوطأة الزمن الذي يتناقص ويذوب؟ هل يعني ذلك أنني استغرقت في تأمل نفسي؟».
في محلها تماماً إشارة أحمد الخميسي إلى احتمالية كمون الفكرة في اللاوعي، فالإبداع الحقيقي يقع على التخوم المشتركة للوعي واللاوعي، فليس وعي الكاتب وحده ما يملي النص، فلاوعيه أيضاً قد يأخذه، دون أن يعي تماماً، إلى فضاءات لها قدر ليس بالقليل من الاستقلالية عن وعيه.
يصنف أحمد الخميسي ضمن خانة أدباء الستينات في مصر، فهو صديق جمال الغيطاني وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وآخرين، لكنه مكث في السجن ثلاث سنوات إثر تظاهرات الطلبة عام 1968، قبل أن يسافر إلى موسكو للدراسة حيث أقام طويلاً، وظلّ مصراً على أن يبقى كاتباً للقصة القصيرة، دون أن ينساق إلى غواية الرواية التي هيمنت على الكثيرين سواه.
«بعض الزملاء الشباب من الصحفيين يقدمونني في أحيان كثيرة بصفتي روائياً، يقول الخميسي، فأرد: لست روائياً، إلى أن قال لي أحدهم: «وليه مش روائي؟ أنا أعرف واحد أصغر منك وروائي»!
يُذكّرنا الخميسي بما نسيه، أو يجهله الكثيرون: «القصة القصيرة ظهرت بعد الرواية بنحو مئة أو مئة وخمسين عاماً، ولو كانت الرواية تسدّ الاحتياج الذي تسده القصة القصيرة ما ظهرت القصة». وهل يمكن أن ننسى أن كتاباً كباراً مثل أنطون تشيخوف ويوسف إدريس وغيرهما لم يكتبوا سوى القصة.
قال الخميسي شيئاً آخر مهماً: «القصة هي الشكل المرشح للبقاء مستقبلاً في ظل العالم الإلكتروني الموجز الذي نحياه».
جريدة الخليج