وكنت مع والدي نعمل في تجارة نقل السبال أو البسر المجفف من داخل عمان إلى مدينة مسقط، وكانت مسقط تصدر هذا البسر المجفف أو البسال إلى القارة الهندية بكميات كبيرة ولا أدري إن كانت هذه التجارة ما زالت رائجة.. وكنا نملك سيارتين من السيارات القديمة من «طراز فورد»، لنقل البضائع والركاب بين دبي ومسقط، وكان الطريق شاقاً والحياة ليست كما هي عليه اليوم..
وجاءنا السيد عبد الجليل ليستأجر منا سيارة لنقل الشيخة الفاضلة سلامة بنت زايد الأول، التي كانت تستشفي في مستشفى مسقط التابع للإرسالية الأمريكية، وكان هذا المستشفى إذ ذاك مستشفى مشهوراً فيه من الأطباء ومن الإرساليات عددٌ كبير من العاملين، وقد تشرفت وأنا صبي بأن أرافق بسيارتي ومع السائق الشيخة الفاضلة سلامة، مع من معها من النساء ومن يخدمون من الرجال.. وأخذت رحلتنا من مطرح إلى دبي ثم أبوظبي حوالي ستة أيام بلياليها، وكان يمكن أن تأخذ الرحلة نصف هذه المدة لولا أن الشيخة سلامة رحمها الله، أرادت أن تحسن بكرمها إلى وفود جميع الأعراب والبدو الذين سمعوا بموكبها فجاءوا من البادية ومن سفوح الجبال مستقبلين ومتلقين، وكانت الشيخة سلامة تأمر الركب بالمراح عند كل بئر ماء من آبار المياه أو عند الأفلاج حتى القرى الممتدة على ساحل الباطنة، وتقيم الموائد والولائم فيأكل الناس من البدو وغيرهم من أطايب الطعام التي تعد من قبل الشيخة ومرافقيها..
وذكرتنا الشيخة سلامة طيب الله ثراها، بما كانت تفعله الأميرات من نساء المسلمين في تاريخنا العربي الإسلامي، ومن يرحلن من مكان إلى مكان، كزبيدة أم الأمين، زوجة الخليفة هارون الرشيد، وقطر الندى بنت خمارويه، الأميرة المصرية، وموكبها من مصر إلى دار الخلافة العباسية في بغداد..
وكان البدوي في ذلك الزمان في عمان وفي إمارات الساحل، يعيش شظف العيش أكثر من الحضري.
ونعود إلى الشيخة الفاضلة سلامة بنت زايد، التي أكرمتنا برفقتها وطلبت أن نمر على دبي في منطقة تسمى غافات زايد، على مشارف ديرة، وأصرت على أن تقيم هناك ليلة، إحياء لذكرى والدها الكبير الشيخ زايد بن خليفة، أحد أكبر أمراء الجزيرة العربية وقادتها.. الذي أقام في هذا المكان عدة أيام.. ومن هناك ذهبنا إلى أبوظبي، وكانت أبوظبي في ذلك الوقت قرية صغيرة ليس بينها وبين أبوظبي الحالية أية مقارنة، وأكرمتنا الشيخة الفاضلة سلامة فأعطتني مبلغاً مضاعفاً لما كان مقرراً من إيجار للسيارة..
وقد كتبت هذه الخاطرة وأنا أقرأ عن الشيخة الفاضلة سلامة في كتاب «موسوعة المرأة الإماراتية» الذي أهدتني إياه الدكتورة رفيعة غباش مشكورة..